كتبت ناتالي اقليموس في “الجمهورية”:
صيف استثنائي يختبره القطاع التربوي برمّته في لبنان، حيث لا محل للإجازات من الإعراب نتيجة حال الغليان المشتركة سواء في التعليم الرسمي أو الخاص، في المدارس وحتى في الجامعة اللبنانية. معلّمون، متفرغون، متعاقدون، متقاعدون، مدرّبون… «ما حَدا مَمنون»، ناقمون على الدولة وتداعيات القانون 46. في هذا السياق يعتصم غداً المتقاعدون في التعليم الرسمي الثانوي والاساسي في رياض الصلح، امّا المعلمون في التعليم الخاص فيواصلون معركتهم في القضاء رغم تشكّل لجنة متابعة بين نقابتهم واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة. باختصار، «ينتظرنا عام دراسي مُرتبك، ونتخوّف من زيادات على الاقساط»، بحسب تحذير مصدر تربوي خاص لـ»الجمهورية».
يتوزّع المشهد التربوي على جبهتين أساسيتين، في الأولى يُنفذ الاساتذة المتقاعدون في التعليم الرسمي الثانوي والأساسي اعتصاماً «رفضاً لإقرار ضريبة دخل على المعاشات التقاعدية وعلى كل ما يَمسّ بمعاشاتهم وحقوقهم المكتسبة في الموازنة»، وذلك عند الحادية عشرة من صباح الغد في ساحة رياض الصلح بالتزامن مع انعقاد المجلس النيابي، بدعوة من رابطتي الاساتذة المتقاعدين. كذلك يستعد المتقاعدون لتنفيذ اعتصامات متنقلة أمام بيوت ومقرات المسؤولين دفاعاً عن مكتسباتهم وحقوقهم، ضمن روزنامة تُحدد في الاجتماع المشترك الذي ستعقده الرابطتان عند الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر الثلاثاء 23 الشهر الجاري.
صرف أكثر من 250 معلّماً
أما في المقلب الآخر من المشهد التربوي، فيدخل الكباش بين نقابة المعلمين واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة عامه الثالث، من دون توافر حل جذري لصلب المشكلة وهي تأمين تمويل الدرجات الست التي منحها القانون 46 للمعلمين.
في هذا الإطار، يُعرب مصدر تربوي خاص لـ«الجمهورية»، عن أسفه لمراوحة الأزمة مكانها قائلاً: «كل ما في الامر وبعد 3 سنوات من المد والجذر، والاضرابات ورفع الاقساط، القضية لم تسجل أي تقدم بارز باتجاه الحلحلة، لا بل إلى مزيد من التعقيد». ويتابع موضحاً: «لجوء مجموعة من الاساتذة إلى القضاء وفوز بعضهم بالدعاوى القضائية التي رفعوها على صندوق التعويضات خَلق إرباكاً حقيقياً، ولفت الانظار إلى أحقية مطلبهم، ولكن أي زيادة أو حقوق ستُمنح للأساتذة ستؤدي حكماً إلى زيادات في الاقساط». ويضيف: «سبق أن عَلَت صرخات الاهالي في السنتين الماضيتين وشهدنا نزوحاً من التعليم الخاص إلى الرسمي، فالمؤشرات لا تنبئ بانتهاء هذه الهجرة».
وما يزيد الأزمة تفاقماً سياسة التقشف لدى بعض إدارات المدارس والممارسات السيئة كصَرفها للمعلمين، إذ «بلغ عدد المصروفين 255 معلماً»، ما دفع نقيب المعلمين رودولف عبود لرفع الصوت و«التشَدد في ملاحقة المدارس المتخلّفة عن الدفع»، وذلك خلال مؤتمر صحافي ترأسه في مقر نقابة المعلمين قبل ظهر أمس.
عرضَ عبود بداية تطور العلاقة بين المعلمين والمدارس الخاصة، بقوله: «تطلّ السنة الثالثة ونحن لا نزال في سجال مع شركائنا في التربية والتعليم حول أحقية تطبيق القانون 46، الذي ترفض معظم المدارس الخاصة تطبيقه بكامل مندرجاته. والأغرب أنّ معظم المدارس المتمردة قد انتقَت وطبّقت من هذا القانون ما اعتبرته لمصلحتها، كمثل استرداد ما كانت قد سَددته كدفعة عن غلاء المعيشة، وهو مخالف لأحكام القانون، أو تصنيف حملة الإجازات التعليمية في الدرجة 9 عوضاً عن الدرجة 15». وكرّر عبود «مطالبة النقابة لمجلس إدارة صندوقي التعويضات والتقاعد التشدّد في ملاحقة المدارس المتخلفة عن سداد مساهمتها ومحسومات معلّميها المقتطعة من رواتبهم، ممّا حرم ويحرم هؤلاء الزملاء من تعويضاتهم ورواتبهم التقاعدية». ولفتَ إلى انّ «النقابة لجأت الى القضاء لحسم الجدل القائم وإعطاء كل ذي حق حقه. فرفعت عدة دعاوى، لا نزال ننتظر الأحكام فيها»، مشيراً إلى «انّ القضاء أعطى كامل الحقوق لإحدى المعلمات التي تعذّر حضورها المؤتمر، وقد صبرت على معاناتها مع صندوق التعويضات وحصلت على حكم قضائي بكامل حقوقها من غلاء المعيشة وسلسلة الرواتب والدرجات».
وناشد عبود «مجلس إدارة صندوق التعويضات لتطبيق كامل مندرجات القانون 46 من دون تباطؤ او تلكؤ، وإنهاء بدعة «الدفعة على الحساب» التي ارتضينا بها رأفة بمعلمينا الذين انتظروا بعد انتهاء خدمتهم أشهراً عدة من دون أن يحصلوا على تعويضاتهم أو رواتبهم التقاعدية».
مرحلة مفصلية
رغم تضارب المواقف بين المعلمين واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة حول آلية تطبيق القانون 46، ورغم التوتر الشديد الذي شهدته العلاقة بين الطرفين في الفترة السابقة، وبعد طول انتظار عُقد لقاء بين المؤسسات التربوية الخاصة ونقابة المعلمين، وأبرز ما خَلص عن هذا اللقاء، بحسب عبود: «تشكلت لجنة متابعة ستواصل أعمالها صيفاً للتوصّل إلى صيغة تضمن حقوق الاساتذة وترضي ادارات المدارس». وأضاف: «كنقابة معلمين شكّلنا لجنة طوارئ، وضعت خطة عمل المرحلة المقبلة وخطوات عملية للدفع في اتجاه تنفيذ القانون. نتريّث بالاعلان عنها في الوقت الحاضر، ونُفسح المجال لعمل اللجنة المشكّلة مع المؤسسات التربوية، والتي نأمل ان تتوصّل سريعاً للحلول المرجوة بشكل يجنّب الجميع أي خطوات سلبية قد نلجأ إليها مضطرين، قبل العام الدراسي المقبل وخلاله».
في المقابل، لا ينكر أمين عام المدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار، في حديث لـ«الجمهورية»، انّ المرحلة دقيقة وحساسة، آملاً التوصّل إلى حل. ويقول: «نعوّل على اجتماعنا الأخير مع نقابة المعلمين، والرهان أن تتمكن اللجنة المصغّرة، والتي تضم 4 ممثلين عن النقابة و4 ممثلين عن الاتحاد، من عقد اجتماعاتها وعَرض المشكلات القائمة والحلول الممكنة». وأضاف: «المشكلة في القانون 46 ليست بسبب الاساتذة ولا إدارات المدارس إنما الدولة التي تتحمّل المسؤولية، خصوصاً في تمويل ما هي شَرّعته وتحديداً الدرجات الست».
فيما الرهان على ان تتوصل اللجنة المشتركة في إطفاء الكباش المُستعر بين المعلمين وإدارات المدارس، يبقى السؤال كيف يمكن لهذه اللجنة أن تصل إلى مبتغاها الحقيقي بمعزل عن وجود ممثلين عن الاهل؟ ماذا لو تم الاتفاق على حساب جيوب الاهالي عبر زيادة الاقساط للمرة… الألف العام المقبل؟ مَن الذي سيردعهم؟!