… حتى ملف النفايات والأزمة التي خلفّها ويتفق الجميع على ضرورة معالجتها في أقرب الآجال، لم يسلم من الكباش السياسي الدائر على أشده بين التيار الوطني الحر وتيار المردة. ولم يكن أبلغ إلى ذلك دليلا إلا الهجوم الذي شنه رئيس كتلة المردة النيابية النائب طوني فرنجية على وزير البيئة فادي جريصاتي، متهما اياه بـ “افتعال أزمة نفايات في محافظة الشمال بعد إقفال مكب عدوة في المنطقة من دون تأمين البدائل، ولا التشاور مع نواب المنطقة وفاعلياتها”، على حد تعبيره.
إلا أن الوزير لم يتأخر في رد الاتهامات، وردّ الكرة إلى ملعب فرنجية، من دون أن يفوّت على نفسه فرصة الغمز من قناة الخلاف السياسي المزمن على خط بنشعي- ميرنا الشالوحي للأسباب السياسية والرئاسية التي ما عادت خافية على أحد. ذلك أن جريصاتي عقد أمس مؤتمرا صحافيا خصصه للرد على نائب زغرتا. وإذ نفى أن تكون وزارته وراء إقفال المكب المذكور، عزا الهجوم الذي شنه فرنجية عليه إلى “حسابات معينة قد تكون لديه”، في إشارة مبطنة إلى اتهام ذي طابع سياسي موجه إلى وزارته.
وإذا كان أي حل للخلاف السياسي بين المردة والتيار الوطني الحر غير متاح في القريب العاجل، فإن أوساطا مراقبة لا تخفي عبر “المركزية” استغرابها لتطعيم هذه الأزمة الحياتية الصحية التي لا تحتاج تداعياتها الخطرة إلى كثير من الشرح والتفسير، بنكهة سياسية توحي بأن في الطبقة الحاكمة من لا يجد ضيرا في أن يعطي الأولوية لتصفية الحسابات السياسية على حساب الناس وحقهم في التنعم بحياة صحية وسليمة وبيئة نظيفة.
وفي السياق، تذكر الاوساط أن المعارضة رفعت مرارا صوت التحذير من مغبة المضي في إغراق الطرقات والمناطق بالقمامة، في ظل عجز الدولة عن ايجاد البدائل الناجعة، خصوصا أن مجلس الوزراء معطل حتى إشعار آخر، لا لشيء إلا لأن الحسابات السياسية بين مكوناته تصفّى دائما من خلاله.
أمام هذه الصورة، معطوفة على الارتفاعات المخيفة في معدلات الاصابة بالأمراض السرطانية والمزمنة، تجدد الأوساط الدعوة إلى إعلان حال طوارئ بيئية، كما إلى مبادرة وزارة البيئة، بوصفها الجهة الرسمية المعنية بالملف، إلى عقد مؤتمر بيئي يشارك فيه خبراء واختصاصيون لوضع مخطط شامل لمعالجة أزمة النفايات على كل الأراضي اللبنانية.
على أن الأهم، يكمن بالنسبة إلى الأوساط، في أن السجال الكلامي بين فرنجية وجريصاتي، أعاد التذكير بأهمية اعتماد اللامركزية الادارية لحل هذه “النكبة البيئية”، علما أن أول الغيث يكمن في إعطاء البلديات مستحقاتها التي تتيح لها لعب الدور المحوري في فك هذا اللغم، مذكرة أن لكثير من البلديات تجارب ناجحة في هذا المجال، أبرزها بلديتا بكفيا وبيت مري المتنيتان، كما غوسطا الكسروانية، علما أن الركون إلى هذه المعامل لا يكبد السكان أموالا طائلة، بل مبلغا زهيدا يتيح للبلدية المعمل القيام بعملهما في هذا المضمار. وتختم الاوساط مشددة على ضرورة الاستمرار في حملات التوعية الهادفة إلى حث الناس على اعتماد الفرز من المصدر، وإن كان هذا الحل تلقى رصاصات سياسية في غير مكانها أخيرا.
وفي وقت يخوض أهالي بيروت ونوابها، لا سيما المعارضون منهم، حربا شرسة ضد المحرقة المنوي إنشاؤها في منطقة مكتظة بالسكان في العاصمة، نظرا لما لها من تأثيرات صحية شديدة الخطورة، تدعو المصادر إلى مد جسور التواصل مع شركات تعتمد تقنية الحرق الصحي للنفايات (كما هي الحال مع شركات الترابة في بلدة شكا الشمالية)، بدلا من المضي في خيارات لا تصلح لحل الأزمة…