كتب علي الأمين في صحيفة العرب اللندنية:
في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، لم يطلق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أيّ موقف يوازي في أهميته قرار وزارة الخزانة الأميركية إدراج رئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد، ونائب بيروت أمين شرّي، بالإضافة إلى رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، على لائحة العقوبات الأميركية، وحمل الدولة اللبنانية التي يمسك بمفاصل السلطة فيها مسؤولية الرد على هذه “الإهانة” للشعب اللبناني كما وصفها نائب حزب الله علي فياض. مرد التوقف عند ردة فعل حزب الله على العقوبات، وتحديدا الدفعة الأخيرة، يرتبط بالرسالة التي تنطوي عليها طبيعة اختيار هؤلاء.
بداية أشارت “الخزانة الأميركية” في تبرير قرارها، بتقديم مطالعة سياسية قانونية، تزعم من خلالها أن القرار الأميركي ينطلق من مبدأ حماية الدولة اللبنانية من سياسات حزب الله التي لا تراعي مصالح الشعب اللبناني ولا مؤسسات الدولة.
الخزانة الأميركية حددت جملة اتهامات أدرجتها كوقائع تتطلب إصدار مثل هذا القرار الذي لم يشر في أي بند من بنوده إلى أن هؤلاء يستهدفون مصالح واشنطن أو يشكلون تهديدا لأمنها، بل دائما كانت خلفية القرار تنطلق من مصالح لبنان وشعبه، حسب قول الأميركيين.
إثر صدور القرار الأخير، كان نصرالله، كما غيره من قيادات حزب الله، يلوذ بالدولة والحكومة للرد على واشنطن، وهو موقف يعكس الإرباك الذي يعيشه الحزب على أكثر من مستوى
خلاصة الاتهامات التي بنت عليها واشنطن قرارها، تتصل بثلاث جرائم محورية تزعم أنها ارتكبت من قبل المسؤولين الثلاثة وهي:
1- تهديد مصرفيين لبنانيين ومن بينهم عاملون في مصرف لبنان المركزي، بسبب التزامهم بقوانين العقوبات المالية التي صدرت ضد حزب الله.
2- استغلال سلطة حزب الله لاستخدام المرافئ والمعابر الحدودية من أجل تنظيم عمليات تهريب غير قانونية تؤثر على الاقتصاد اللبناني.
3- اعتماد سياسات تعطي الأولوية لنشاطات خارجية على حساب المصلحة الوطنية واللبنانية.
هذه جوهر الاتهامات الأميركية للمسؤولين الثلاثة في حزب الله. ومهما يكن فإن الإجراء الأميركي اختار ثلاثة مسؤولين في الحزب يجمع في ما بينهم أنهم من الفريق الأكثر انخراطا في المساحة اللبنانية، ليست لهؤلاء أنشطة خارجية ولا حتى عسكرية أو أمنية بالمعنى المتصل بنشاط خارجي، بل هم أقرب إلى الحلقات التي تتصل وتتشابك مع مؤسسات الدولة أو تطوّقها وتخضعها.
فالنائب محمد رعد، إلى جانب كونه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، فهو نائب في البرلمان اللبناني منذ عام 1992 وهو النائب الوحيد في حزب الله المستمر في موقعه النيابي طيلة هذه المدة، ورغم أنه عضو في مجلس الشورى الذي يشكل نظريا مركز القيادة في حزب الله، إلا أن رعد ليست له سمة عسكرية أو أمنية، ولا يعتبر من أعمدة القرار في حزب الله الذي يتركز في الجهاز الأمني والعسكري وفي الأمانة العامة، وهما اللذان يشكلان حلقة الاتصال بالمرجعية القيادية في إيران.
وظيفة النائب رعد تتركز في البعد السياسي والنيابي اللبناني، حيث يتولى ملف العلاقة بالبرلمان والحكومة، ولعل هذه المواصفات في ظل الإطباق الذي يمارسه حزب الله على الدولة اللبنانية، والذي انتقل به إلى التسلل والنفاذ إلى مفاصل الدولة، تجعل من رعد مرشحا موضوعيا لرئاسة مجلس النواب كخليفة طبيعية للرئيس نبيه بري الذي جاوز عمره الواحد والثمانين عاما، فيما رعد لا يتجاوز عمره اثنين وستين عاما.
الخزانة الأميركية أدرجت رئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد ونائب بيروت أمين شرّي ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق بالحزب وفيق صفا، على لائحة العقوبات الأميركية
القرار الأميركي بهذا المعنى يوجه رسالة قوية لحزب الله مفادها أنه لن يسمح بهذا التسلل إلى مفاصل الدولة، ويضع فيتو على أي محاولة جدية للتقدم خطوة إضافية في سلم المؤسسات اللبنانية ولاسيما مجلس النواب.
أما النائب أمين شري وهو الثاني على لائحة العقوبات الأخيرة، فهو نائب حزب الله في العاصمة بيروت، وهو إلى جانب توليه هذا المقعد النيابي المهم بالنسبة لحزب الله، يمثل حلقة وصل فاعلة مع مؤسسات محورية كبلدية بيروت التي كان عضوا فيها، وبسبب سمته الاقتصادية والتجارية شكل عنصرا فاعلا في تطويع مؤسسات اقتصادية وحتى مصرفية لتوفير الخدمات للحزب. كما أنه يعتبر من الذين يديرون بعض استثمارات حزب الله مباشرة ومن خلال علاقات متينة بناها في العاصمة مع مراكز مالية واقتصادية. وهو الذي اتهم في ثنايا القرار الأميركي بتهديد مصرفيين. ويذكر أن تفجيرا استهدف أحد المصارف اللبنانية الكبرى قبل نحو عامين، إثر رفض هذا المصرف التجاوب مع مطالب لمودعين طالتهم العقوبات الأميركية، وذهبت التحليلات حينها باتجاه مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة لحزب الله عن هذا التفجير.
وفيق صفا مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق، هو الشخصية الأكثر إثارة بين الشخصيات المدرجة على لائحة العقوبات الأميركية. حيث يمكن وصفه بالواجهة الأمنية السياسية التنفيذية لحزب الله، ونافذة الحزب على تقاسم المغانم والصفقات في الدولة اللبنانية، وهو إضافة إلى وظيفته هذه، مكلف بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الرسمية والجيش اللبناني وله دالة على السلطة القضائية، وهذه المهمة المستندة إلى نفوذ حزب الله الأمني والعسكري، جعلته في موقع متقدم في النفوذ، وطالته شبهات عدة تتصل بعمليات غير قانونية على مستوى تهريب البضائع من المعابر المرافئ وغيرها من الشبهات، لكن يبقى أن صفا يمثل حزب الله، وعنصر قوته ونفوذه يتأتيان من هذا التمثيل.
والاستهداف الأميركي له، كما رعد وشري، هو تصويب على أدوات سيطرة حزب الله ونفوذه على المؤسسات الرسمية بما فيها الأمنية والعسكرية، وصفا في مقدمة هذه الماكينة المؤثرة والفاعلة.
أشارت “الخزانة الأميركية” في تبرير قرارها، بتقديم مطالعة سياسية قانونية، تزعم من خلالها أن القرار الأميركي ينطلق من مبدأ حماية الدولة اللبنانية من سياسات حزب الله التي لا تراعي مصالح الشعب اللبناني ولا مؤسسات الدولة
خلاصة القرار الأميركي أن الإدارة الأميركية تسير في خط يتجه نحو مزيد من التضييق على حزب الله ماليا، الذي انتقل نحو فصل جديد، يقترب أكثر فأكثر من الدولة اللبنانية. فالقرار الأميركي الأخير من جهة، كان شديد الوضوح بتحذير الحكومة اللبنانية من التعامل مع حزب الله، ومن جهة ثانية دعا الدول الأوروبية إلى عدم التمييز بين جناحين في حزب الله، سياسي وعسكري، وإلى اعتباره منظمة واحدة يجب التعامل معها كمنظمة إرهابية.
الرسالة التي ينطوي عليها القرار، أنه يمهد لقرار آخر طالما جرى ذكره في الأشهر الماضية، وهو إدراج أسماء مسؤولين لبنانيين قريبين من حزب الله على لائحة العقوبات الأميركية. لذا وإثر صدور القرار الأخير، كان نصرالله، كما غيره من قيادات حزب الله، يلوذ بالدولة والحكومة للرد على واشنطن، وهو موقف يعكس الإرباك الذي يعيشه الحزب على أكثر من مستوى بحيث أن يد الحزب باتت قصيرة وقاصرة. قصيرة في نفوذها خارج الحدود سواء في سوريا أو ضد إسرائيل، وقاصرة عن أن تلبي مطالب معيشية ملحة في بيئتها الحاضنة كما كان الحال قبل سنوات. يد حزب الله الطولى باتت مقتصرة على الدولة اللبنانية التي باتت أوهن من بيت العنكبوت بعدما أفرغت بفعل تعطيل مؤسساتها، وخواء خزينتها، وتسيب حدودها.