لم تكن الزيارة غير المسبوقة التي قام بها وفد رؤساء الحكومة السابقون في لبنان، فؤاد السنيورة، تمام سلام ونجيب ميقاتي، أمس، للمملكة العربية السعودية ولقاءاتهم مع قيادتها وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عاديةً بكل المقاييس، شكلاً ومضموناً وتوقيتاً.
فالزيارةُ التي جاءت فيما يراوح المأزقُ السياسي في لبنان فوق فوهة «أحداث الجبل» التي تحتجز الحكومة منذ أكثر من أسبوعين، وعشية جلسات إقرار موازنة 2019 (في البرلمان) التي يُراد لها أن تشكل أول «طرف الخيط» في إبعاد شبح الانهيار المالي – الاقتصادي، وضعتْ على الطاولة مجدداً مجموعةَ عناوين محوريّة تتصل بالتوازنات في السلطة والنظام بامتداداتها الاقليمية وموقع لبنان في صراعات المنطقة.
وبدا واضحاً من خلال الزيارةِ التي تمّتْ بالتنسيقِ الكاملِ مع رئيس الحكومة سعد الحريري أنها انطوتْ على مستوييْن، لجهة المباحثات والخلاصات: الأوّل محاولة استعادة «الخيْمة العربية» للواقع اللبناني وتأكيد أنه لم يَسْقُط بالكامل في «الحضن الإيراني» وفي الوقت نفسه عدم التسليم باختلال الموازين لمصلحة إيران.
والمستوى الثاني عبّر عنه عنوان «إعادة الاعتبار لاتفاق الطائف والدستور» وقد حَمَله رؤساء الحكومة السابقون الذين طالبوا القيادةَ السعوديةَ بدعْم لبنان وموقع رئاسة الحكومة والرئيس الحريري.
وفيما كان لافتاً تشديد الملك سلمان، وفق ما أوردت «وكالة الأنباء السعودية» (واس) خلال استقباله ميقاتي والسنيورة وسلام في جدة، «على حرص المملكة على أمن لبنان واستقراره، وأهمية الحفاظ على لبنان ضمن محيطه العربي»، قبل أن ينقل تلفزيون lbci عنه، إن «كل ما يمسّ اللبنانيين جميعاً يمسّنا في المملكة وكل ما يمس السنّة في لبنان يمسّنا»، فإن البيان الذي أصدره رؤساء الحكومة السابقون بعد اللقاء لم يقلّ دلالة، إذ أشار الى أن «الملك السعودي أكد حرص السعودية القوي والثابت على لبنان واستقلاله وسيادته وصون اتفاق الطائف كونه الاتفاق الذي أنهى الحرب الداخلية في لبنان، كما شدد على أهمية صيغة العيش المشترك بين جميع اللبنانيين بشتى طوائفهم وانتماءاتهم وكل ذلك تحت سقف الدستور واحترام القوانين واحترام الشرعية العربية والدولية، وأن السعودية لن تدخر جهداً من أجل حماية وحدة لبنان وسيادته واستقلاله».
ولفت الملك سلمان، بحسب البيان، الى «أهمية إعادة الاعتبار والاحترام للدولة اللبنانية وإقدارها على بسط سلطتها الكاملة وبقواها الشرعية على جميع مَرافقها وأراضيها، وكذلك قدرتها على استعادة هيبتها بما يعزز من وحدة اللبنانيين»، مؤكّداً «رغبته بزيارة لبنان الذي يعتبره المنتدى الأفضل في الوطن العربي ويكن له كل المحبة والتقدير وله فيه ذكريات طيبة».
وإذ بلْور السنيورة العناوين التي حَملَها رؤساء الحكومة السابقون وأبرزها «التزام النأي بالنفس قولاً وعملاً» وضرورة إيجاد المسافة الصحيحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، متحدثاً عن جرأة من البعض في لبنان على «اتفاق الطائف» لجهة محاولة تعديله وكاشفاً «اننا تباحثْنا مع الملك سلمان حول ضرورة عودة السعودية لدعم لبنان واستقراره»، فإن الأنظار تبقى شاخصة على مسألتيْن مرتبطتيْن بالزيارة التي تخللها أيضاً لقاء مع وزير الخارجية السعودي إبراهيم بن عبد العزيز العساف: الأولى ترجماتها وسط تأكيد سلام «ان خطوات الدعم السعودي الجديدة ستكون قريبة»، بعدما كان ميقاتي أعلن «انه قريباً هناك خطوات سعودية نحو الدولة اللبنانية تنسجم مع ما يتمناه كل لبناني مُخْلص».
والمسألة الثانية، نتائجُها السياسية على المستوى الداخلي في ظل الاقتناع لدى أوساط عدة بأن الحريري وموقع رئاسة الحكومة تعرّضا في الفترة الأخيرة لـ«الاستضعاف» في ضوء عدم الوضوح في علاقة رئيس الحكومة مع الرياض، ما شكّل «خاصرة رخوة» يفترض أن تكون محادثات رؤساء الحكومة السابقين المنسَّقة مع الحريري نجحتْ في قطع الطريق على المزيد من «النفاذ» عبرها إلى الإمعان في كسْر التوازنات السياسية وإحداث «تعديلات جينية» في نظام الطائف.
ولم تكن عابرةً الرسائل الضمنيّة التي وُجهّت الى الحريري عشية زيارة «الثلاثي» السنيورة وميقاتي وسلام للسعودية، من فريق 8 آذار لجهة تحذيره من مجاراة سياسات رؤساء الحكومة السابقين، الأمر الذي اكتسب دلالةً إضافية في ظلّ إشارات أَطْلقها رئيسُ الحكومة وعكستْ منحى جديداً لجهة الرغبة في «حماية» ما يمثّله كزعيم يرتدي «قبّعتين»، واحدة كرئيس للحكومة وثانية كونه الزعيم الأكبر في الطائفة السنية، وذلك بعدما استشعر بأضرار «التضحيات» التي يقدّمها وغالباً ما تُقابَل بسلوكياتٍ ترتدّ سلباً عليه في بيئته.
وما عزّز مؤشرات «الارتياب» في بعض أوساط 8 آذار من الوقائع الجديدة، نقْزة هذا الفريق من «تغطية» الحريري الكبيرة لزعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في رفْضه إحالة أحداث الجبل على المجلس العدلي، وهو المطلب الذي يتزايد الغمز في بيروت من أنه يأتي من ضمن أجندة سوريّة للاقتصاص من الزعيم الدرزي.
وفيما بدا أن «التقدمي» مُطْمَئنّ إلى ان الحريري لن يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء قبل اكتمال «نصاب التهدئة» والإطار الأمني – القضائي الذي يُعمل عليه عبر اللواء عباس ابراهيم والعالق عند رفْض النائب طلال ارسلان تسليم المطلوبين من حزبه الذين شاركوا في الاشتباك الذي سقط فيه اثنان من مرافقي الوزير صالح الغريب (من حزب ارسلان)، لم تستبعد بعض الأوساط أن يكون انتهاء التحقيقات التي تُجريها شعبة المعلومات (وشملت مطلوبين سلّمهم التقدمي) خلال ساعاتٍ عاملاً يعطي رافضي الإحالة على «العدلي» ورقة قوة باعتبار أن هذه التحقيقات يفترض أن تعطي صورةً عما حصل في 30 يونيو واذا كان كميناً مخططاً له أم اشتباكا مسلّحا.
وكان لافتاً عشية توجّهه الى واشنطن إعلان رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، الذي وقع حادث قبرشمون خلال وقفة اعتراضية لمناصري «التقدمي» على زيارة له لبلدة كفرمتى، «ان الرئيس الحريري يريد حلا سياسياً لأحداث عاليه وهو مُصرّ على عدم الدخول في جلسة قبل إيجاد الحل، والدعوة لمجلس وزراء لديه ونحن بانتظار ان يوجّهها».