كتبت رنى سعرتي في صحيفة “الجمهورية”:
جاء تحذير صندوق النقد الدولي، من أنّ اكتتاب مصرف لبنان بسندات سيادية بفائدة 1 في المئة، يُعتبر بمثابة تخلّف للدولة عن السداد (default)، ومثل الشعرة التي قصمت ظهر البعير. هذا التحذير «تسلّح» به مصرف لبنان لإبلاغ الحكومة عن الاعتذار عن القيام بهذه الخطوة.
يبدو أنّ أزمة «الألف مليار ليرة» التي وضعتها الحكومة في صلب موازنة 2019 لجهة خفض النفقات في خدمة الدين العام، آخذة في التفاقم الى حدّ ان خطة الحكومة لخفض عجز الموازنة بنسبة 1,5 في المئة من خلال اصدار سندات بقيمة 11 الف مليار ليرة بفائدة 1 في المئة، فشلت وسقط هذا البند من التداول بعد رفض المصارف أوّلاً الاكتتاب في الاصدار المزمع، وبعد تأكيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مراراً وتكراراً، وآخرها أمس الاول خلال اجتماعه برئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه الاقتصادي، على عدم استعداده تحمّل المزيد من السندات السيادية ورفضه المطلق تحمّل خسارة تصل الى 10 في المئة في فارق الفوائد على السندات المتداولة في السوق، لا عبر اصدار جديد ولا من خلال عملية استبدال سندات.
في النتيجة، لم يتوصّل اجتماع بعبدا الى صيغة تؤمّن وفر الـ1000 مليار ليرة الذي تعوّل عليه الحكومة في مشروع موازنتها للعام 2019 لخفض العجز في الموازنة الى حدود الـ7 في المئة، وباتت الحكومة مُلزمة اليوم البحث عن ايرادات بديلة من اصدار الـ11 الف مليار بفائدة 1 في المئة، لأن البنك المركزي لا يملك خيارات واسعة لتأمين هذا الوفر بطرق أخرى، وليس أمامه سوى طبع العملة أو استخدام الاحتياطي الالزامي، وهما احتمالان مرفوضان من قبله.
في هذا الاطار، أوضح وزير الاقتصاد السابق رائد خوري، الذي عرض للأوضاع الاقتصادية والمالية مع رئيس الجمهورية امس، انّ مسألة الاكتتاب بسندات بقيمة 11 الف مليار ليرة بفائدة 1 في المئة هي مسألة غير مطروحة من الاساس، «ولا نعلم كيف وُضعت كبند أساس في صلب الموازنة».
وأكّد لـ«الجمهورية»، انّ هذا الاصدار، ولو حصل، لن يعالج الأزمة، فهو بمثابة عملية «تلبيس طرابيش» وإجراء لا علاقة له بالاصلاح، حيث سيقوم البنك المركزي بدلاً من الدولة، بدفع فوائد سندات اليوروبوندز التي تصل الى 11 في المئة، لينتقل بذلك الدين «من العبّ الى الجيبة».
ووصف خوري هذا الإجراء بـ»الماكياج» من أجل تجميل الموازنة من خلال خفض العجز بقيمة 1000 مليار ليرة، «لكنّ في الحقيقة، البنك المركزي لا يملك السيولة للقيام بهذا الامر، بل أمامه خياران: إما طبع العملة، الامر الذي سيخلق تضخماً، او استخدام الاحتياطي، أي أموال المودعين».
وأشار الى انّ الحكومة فشلت في غشّ صندوق النقد الدولي بعملية «الماكياج» التي استخدمتها لخفض العجز، وبالتالي عليها تحمّل مسؤوليتها في تأمين ايرادات بديلة من الجمارك ومن خلال مكافحة التهرّب الضريبي.
وشدّد خوري على انّ مصرف لبنان يتمتّع باستقلالية مطلقة، ولا يمكن للحكومة فرض أي اجراءات عليه لأسباب عدّة، اوّلها انّ المجتمع الدولي سيعتبرها عملية تخلّف عن السداد، لأنّ الدولة هي الطرف المُقترض ولا يمكنها إجبار الطرف المُقرض على عدم استرداد فوائد دينه.
وجزم بأنّ اكتتاب مصرف لبنان بسندات بفائدة 1 في المئة أمر غير وارد ويجب سحبه من التداول، وإلّا سيعتبر المجتمع الدولي انّ الدولة اللبنانية تخلّفت عن السداد، مؤكّداً انّ هذه الخطة فقدت فعاليتها، وحتى لو تمّ تطبيقها، وتراجع عجز الموازنة الى 7 في المئة، فانّ المجتمع الدولي سيظل يعتبره عند نسبة 8,5 في المئة.
واشار خوري الى انّ الدولة تطلب من سلامة اعتماد سياسة تثبيت سعر صرف الليرة، وفي المقابل تجرّه الى نقيض ذلك عبر مطالبتها ايّاه الاكتتاب بسندات بفائدة 1 في المئة، مما سيستنزف احتياطي البنك المركزي المستخدم لتثبيت سعر صرف الليرة.
وختم: «بعد ان كشف صندوق النقد الدولي لعبة الحكومة، كيف يمكن السير بها؟».
تعديل رسم الـ 2 %
من جهة اخرى، قال خوري انّه بحث امس مع الرئيس عون اقتراح فرض رسم 2 في المئة على كافة المستوردات، حيث يمكن تعديله ليصبح انتقائياً، أي عبر اخضاع بعض السلع غير الاساسية، والتي تنافس السلع المحلية لضريبة بنسبة 3 في المئة، وهو اجراء يحمي في الوقت نفسه الصناعة اللبنانية.
اما بالنسبة للايرادات المقدّرة من هذا الاجراء، قال انّه في حال كان عدد السلع التي يتمّ اختيارها ضئيلًا، فانّ رسم الـ3 في المئة لن يؤمّن الايرادات المطلوبة.