كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
استعاد رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بعضاً من هدوئه. صار يركن بكثير من الثقة إلى مصطلحات الحوار والانفتاح والحلول والتشاور. يتصرف وكأنه مرتاح الى وضعه، لا بل وكأن “معركة البساتين” انتهت إلى تسجيل نقطة في خانته… مع أنّها انطلقت في لحظة “ضعف سياسي”، بدت خلالها المختارة “معزولة” ومتروكة لمصيرها.
صحيح أنّ الحكومة لا تزال معلّقة على حبل مشنقة المجلس العدلي بانتظار وضع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لمساته الأخيرة على مبادرته الإنقاذية، لكن انخفاض حدّة التوتر والصراخ السياسي، بات يتيح المجال واسعاً لكي تأخذ المعالجات السياسية مداها.
خلال الحقبة الأخيرة، لم يتخل جنبلاط عن خطّ عين التينة – المختارة. وحده بقي مفتوحاً طوال الوقت. وحين كانت المعابر الأخرى مقفلة في وجهه، كانت الطريق إلى الرئاسة الثانية مسهّلة. ثمة الكثير من القواسم المشتركة، والمصالح المتقاطعة التي تزيد متانة هذه العلاقة وسط منظومة المتغيرات. فكانت عين التينة أشبه ببر الأمان الذي سرعان ما التقط خشبة المختارة الباحثة عن طوق نجاة.
بعد مرور أكثر من أسبوعين على حادثة الشحار الغربي، وضع “البيك” يديه في المياه الباردة. لم تنته فصول الأزمة الدرزية – الدرزية، لكنه بات مطمئناً إلى أنّ تأمين أغلبية مرجحة قادرة على فرض خيار المجلس العدلي، صار شبه مستحيل، مهما حاول مؤيدو هذا الخيار ممارسة فنون “الابتزاز” السياسي من خلال أسر الحكومة وتعطيلها. طالما أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري ملتزم بما قاله أمام رئيس مجلس النواب، في رفضه إحالة المسألة إلى المجلس العدلي، فلن يعود التوتر إلى ذهن رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي”.
حتى الآن، يبدو الحريري متمسكاً بالخيط الرفيع الذي عاد وربط قنوات التواصل بين بيت الوسط والمختارة. الحاجة إلى إمساك العصا من الوسط، باتت أكثر من ضرورية، ولذا يصر الحريري على دعم حليفه “العتيق” في موقفه.
عملياً، تقضي المبادرة في تسليم الطرفين “المتنازعين” كل المطلوبين وترك التحقيقات تأخذ مجراها، لكي تستند إليها الحكومة لتقرير مصير الإحالة إلى المجلس العدلي، ما يعني عدم حسم الخلاف مسبقاً، لا سلباً ولا إيجاباً، بانتظار أن تقول المعطيات الأمنية كلمتها لتكون الحدّ الفاصل والحاسم في هوية القضاء الذي سينظر في القضية.
وبالتالي، يتصرف الفريقان وكأنهما منتصران. فـ”الاشتراكي” مقتنع أنه متحصن بأغلبية رافضة للإحالة إلى المجلس العدلي وبالتالي يكفي أن تعود الحكومة إلى ديمومة عملها لكي يوضع ملف قبرشمون في الدرج خصوصاً وأنّ المعطيات الأمنية التي تصله تباعاً تؤكد سقوط فرضية الكمين… في المقابل يتصرف “الحزب الديموقراطي اللبناني” على أنّ النتيجة ستكون لمصلحته وأنّ التحقيقات ستقدم الدلائل الحسية على فرضية الكمين ما يتيح إحالة الملف إلى المجلس العدلي.
ومع ذلك، لا تشي المعطيات الى امكانية عقد جلسة للحكومة خلال الساعات المقبلة، مع أنّ رئيس المجلس ألمح إلى سيناريو يقضي بعقد جلسة يكون جدول أعمالها محصوراً ببند وحيد هو مشروع قانون قطع حساب العام 2017، وذلك قبل إعلان الوزير سليم جريصاتي تسليم الرئيس بري صيغة حلّ تقضي “بتمديد مهلة تقديم قطوعات حسابات السنوات السابقة لمدة ستة أشهر، وهو يغني عن عقد جلسة لمجلس الوزراء خلال اليومين المقبلين ويسمح بنشر الموازنة”.
يقول أحد المعنيين، إنّ المشاورات لا تزال تواجه أفقاً مسدوداً، بسبب تحصن كل فريق بموقفه خصوصاً وأنّ رئيس الجمهورية مقتنع أنّ فرضية محاولة الاغتيال مرجحة، ما يعني أنّ المسار المرسوم للمبادرة والمفترض أن ينتهي بـ”لقاء قمة” في بعبدا، لا يزال معلّقاً. اذ كان يفترض أن تؤدي المبادرة، بعد تنفيس الاحتقان، إلى جلوس “المتخاصمين” إلى طاولة المصارحة والمصالحة، وهي “قدر” لا مفرّ منه، وذلك برعاية رئاسة الجمهورية التي كانت تعمل في الأساس على خطّ ترتيب العلاقة بين القطبين الدرزيين. لكن حتى الآن، لا يبدو أن الأجواء باتت مهيأة لخطوة من هذا النوع.