كتب د. عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:
دلت جلستا مناقشة الموازنة العامة، على مدى هشاشة الحكومة القائمة، وعلى مدى انعدام الانسجام داخلها حيث انه لم يبق أحد من النواب والكتل الممثلة فيها الا وانتقد الموازنة المقدمة منها إلى المجلس النيابي، واعتبروها وكأنها وضعت فقط للنيل من الطبقات الشعبية وذوي الدخل المحدود في القطاع العام، وان كان هؤلاء انتهوا إلى التصويت بنعم لموازنة حكومة الوفاق الوطني أو التوافق الا انهم عكسوا بوضوح انهم ليسوا معها ولا مع بقائها في السلطة.
وما الجدال الحاد الذي دار بين رئيسها سعد الحريري وبين نواب «القوات اللبنانية» سوى مثل واحد يعكس الواقع المؤسف لهذه الحكومة، ويؤكد مرّة أخرى ان استمرارها في تحمل المسؤولية أو عدم استمرارها يعبران عن الحال الذي أفضت إليه من تفكك داخلي، وانعدام الانسجام الذي يُشكّل عادة العامود الفقري لأية حكومة، لا سيما عندما تواجه المجلس النيابي المنتخب من الشعب والذي يعكس اجواءه ومناخاته ورغباته الحقيقية. حتى ان رئيس السلطة التشريعية الذي كان يعول على قدرة الحكومة على تجاوز مشكلاتها الداخلية التي بليت بها بعد حادثة قبرشمون، وبشر في مستهل أوّل جلسة للمجلس بحلها وعودة الحكومة في أقرب وقت إلى عقد اجتماع خارج الانقسام الحاصل بسبب تلك الحادثة بالاتفاق التام مع رئيسها سعد الحريري فوجئ بوزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي عندما أبلغه بأنه يحمل اقتراحاً آخر لرئيس الجمهورية يقضي بأن يقترح رئيس الحكومة في المجلس إضافة مادة في موازنة العام 2019 تنص على تمديد المهلة المعطاة للحكومة لتقديم قطوعات الحسابات المالية الكاملة ستة أشهر إضافية بحيث يصبح بالإمكان نشر الموازنة في الجريدة الرسمية بعد اقرارها في الهيئة العامة، ما يعني بدون أي لبس ان رئيس الجمهورية انضم إلى فريقه الذي ما زال يعطل جلسات مجلس الوزراء إلى ان يستجيب رئيسها لشرطه المتعلق بإحالة حادث قبرشمون إلى المجلس العدلي، بوصفه يُشكّل تهديداً للأمن العام كونه كان يستهدف وزيرا وربما أكثر في الحكومة، وعندها يصبح مبررا الحملة الواسعة التي شنّها معظم النواب على الحكومة متخذين من الاخطاء التي وقعت فيها عندما وضعت البيان الوزاري مبرراً لفتح النار عليها، وتفريغها بالتالي من كل مشروعية للاستمرار في تحمل مسؤولياتها في إدارة دفة الحكم.
ومن الواضح ان الرئيس برّي فهم رسالة رئيس الجمهورية التي نقلها إليه الوزير جريصاتي، فآثر ان يترك الأمر لرئيس الحكومة لكي يتصرف وفق ما أعلن سابقا من انه هو رئيس مجلس الوزراء وهو وحده من يُحدّد موعد انعقاده ويوجه إليه الدعوة، استناداً إلى النص الوارد في الدستور وفي وثيقة الوفاق الوطني التي ما زالت سارية المفعول حتى اشعار آخر، لكل ذلك تقول المصادر السياسية ان رئيس الحكومة بات في وضع لا يحسد عليه، لأنه أصبح امام خيارين كلاهما مُر، اما الاستسلام لإرادة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل المدعوم صراحة من رئيس الجمهورية ويقبل بإحالة حادث قبرشمون إلى المجلس العدلي في أوّل جلسة يعقدها مجلس الوزراء، أو ان يقدم استقالته، وينتقل إلى صفوف المعارضة ضارباً بعرض الحائط التسوية الرئاسية التي كبلته طوال الأشهر التسعة الماضية بدلا من ان تطلق يديه، أو ان تبقى الحكومة معلقة على شماعة التيار البرتقالي بانتظار ان يفرج عنها رئيس هذا التيار المتحكم وحده باللعبة السياسية مدعوماً من رئيس الجمهورية ومن قوى الثامن من آذار وعلى رأسها حزب الله الذين – كما تقول المصادر – تصرفوا بكيدية ضد الحكومة ورئيسها في مناقشة نوابهم لمشروع قانون الموازنة المعروض على الهيئة العامة للمجلس النيابي الذي يتابع مناقشاته في مبنى البرلمان في ساحة النجمة.
وتسأل هذه المصادر عن الموقف الذي ينوي رئيس الحكومة اتخاذه في ضوء اقتراح الرسالة التي بعث بها رئيس الجمهورية إلى رئيس السلطة التشريعية، هل يستسلم ويبقى ساكتاً على الحملات التي تشن على حكومته من قِبل الكتل النيابية الممثلة فيها، وهل يرضخ للأمر الواقع ويقبل بإحالة حادث قبرشمون إلى المجلس العدلي لكي ينعقد مجلس الوزراء وفق ما اوحت به اتصالات أمس، ويضحي بحليفه الرئيسي والأساسي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط بعدما ضحى بحليفه الآخر رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، أم انه يحرر كتاب استقالته ويلقيه في وجه الجميع، مستنداً إلى الدعم السعودي الذي نقله إليه رؤساء الحكومات السابقين بعد زيارتهم الخاطفة إلى جدّة واجتماعهم إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز؟
المصادر نفسها ترجح استناداً إلى ما تمتلكه من معطيات عن خط الازمة الناشبة عن حادث قبرشمون ان يبقى الرئيس الحريري على القرار الذي اتخذه اثر هذا الحادث وهو الانتظار إلى ان ينتهي القضاء من تحقيقاته حول الحادث المذكور حتى إذا ثبت ان الحادث مدبر لاغتيال الوزير صالح الغريب والوزير جبران باسيل، وافق على إحالة القضية إلى المجلس العدلي كونها تُهدّد السلم الأهلي في البلاد وإلا فلتبقى جلسات مجلس الوزراء معلقة الى ان يجد رئيس الجمهورية الذي يفترض به انه لا يزال حريصاً على التسوية الحل المرضي للجميع والذي مهد له رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي عندما أعلن عن استعداده للذهاب إلى بعبدا وعقد لقاء مصالحة مع رئيس الحزب الديمقراطي المير طلال أرسلان ومع الوزير باسيل برعاية رئيس الجمهورية. اما إذا سدت كل الطرق في وجه الرئيس الحريري فعندها سيجد نفسه مضطراً للاستقالة وفتح أزمة سياسية كبرى في البلاد مفتوحة على كل الاحتمالات بعدما رسم اجتماع الرؤساء الثلاثة بالعاهل السعودي الخطوط الحمر الممنوع تجاوزها من أحد مهما علا شأنه.
وتنتهي المصادر إلى القول بأن هناك بارقة أمل لاحت في أفق المشاورات التي شهدها مبنى ساحة النجمة بين الرئيس الحريري والوزير جريصاتي ومدير عام الأمن العام ووصلت إلى رئيس «اللقاء الديمقراطي اللبناني» توحي بحصول حلحلة على صعيد الأزمة العالقة شجعت الرئيس الحريري على ان يعد بعقد جلسة مجلس الوزراء في الأسبوع المقبل.