IMLebanon

لكي يبقى الحريري على “القيد السياسي”

كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:

إلتزم ثلاثي رؤساء الحكومة السابقين أصول البروتوكول السياسي القاضي بعبور ممر بيت الوسط الإلزامي قبل الهبوط الهادئ في مطار المملكة العربية السعودية.

في الشكل، بدا التنسيق بين فؤاد السنيورة، تمام سلام، نجيب ميقاتي وسعد الحريري، على أعلى مستوى، لكي لا يُفهم امتياز اللقاء الملكي على أنّه موجه ضدّ رئيس حكومة لبنان، ولكي لا تتضارب الأجندات.

ولكن يكفيه أن يقتصر جدول الأعمال على لقاء مع الملك سلمان وآخر مع وزير الخارجية إبراهيم العساف، لكي يتأكد أنّ الزيارة أكثر من بروتوكولية وأقل من نقطة تحول في العلاقات الثنائية، طالما أنّ الديوان الملكي لم يحدد موعداً مع ولي العهد محمد بن سلمان.

ولأن الزيارة قد تكون بالنسبة للثلاثي، خطوة أولى في مسار طويل، يستعد الثلاثة للقيام بجولة في أكثر من دولة عربية، منها مصر، الكويت والإمارات لاستعراض الوضع اللبناني والدفع باتجاه حماية التوازن الداخلي.

ومع ذلك، لا يبدو أنّ الحريري يراهن على “انقلاب” في المقاربات الاقليمية، وتحديداً السعودية، تاركاً “سفينته” تبحر على “العمياني”. قدّم أكثر من دليل، موثّق بالصوت والصورة والتغريدة، يثبت بالوجه الشرعي أنه لن يسمح بعد اليوم لأي كان بـ”القفز فوق حائطه”.

لا يميّز في تطبيق هذه القاعدة بين صديق وخصم. بالأساس، يقول من يعرفه إنّه شطب خانة الأصدقاء والحلفاء من كل قاموسه. يتعامل مع كل المحيط السياسي بعقل وقلب بارديْن، على “القطعة”. وفق ميزان مصالحه، لا عواطفه. يشعر أنه محاصر. يملأه التوتر. لهذا دخل في “أزمة تويترية” مع حليفه السابق وليد جنبلاط بمجرد تلميح وزير الصناعة وائل بو فاعور إلى وجود خلل في العلاقة الثنائية.

كذلك فعل في مؤتمره الصحافي حين حوّل أزمته مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، التي أقرّ بوجودها، إلى معركة داخل بيته الداخلي الضيّق. حاول وضع خط أزرق فاصل بين المرحلة السابقة وتلك المقبلة.

نموذجان من رد الفعل، يؤكدان أنّ نجل رفيق الحريري متأهب “على سلاحه”. وكأنه قرر فجأة إخراج بعض من مكنوناته، ولو أنّه أطلقها على طريقة “اسمعي يا جارة…”. حسم قراره: لا سكوت بعد اليوم، ولو أنّ “الإفصاح” بعد الصيام، طاول المقربين بالدرجة الأولى، والشركاء بدرجة أقل.

ما لم يقله الحريري في مؤتمره الصحافي، وأراد اسماعه هو: أنا صاحب القرار الوحيد. ولكن ما يهم المحيطين به يتصل بآلية انتاج القرار، التي باتت بنظرهم غير موجودة أو معدومة.

المطبخان السياسي والاقتصادي

مطبخ الحريري السياسي يكاد يكون غير موجود: الأكثر تأثيراً هو “الحريف” باسم السبع الذي نشط في الفترة الأخيرة في مقارعة “ذوي القربى”، فيما غطاس خوري يعمل على خطّ القوى المسيحية، وعقاب صقر الأكثر التصاقاً على المستوى الشخصي، قد تكون سياسته لا تناسب رئيس الحكومة في هذه المرحلة. الأهم من ذلك، هو أنّ الأولوية باتت للمطبخ الاقتصادي: نديم المنلا “الذراع التنفيذي” لدى مؤتمر “سيدر”، أما علاء الخواجة فهو أكثر المقربين من رئيس الحكومة.

ورغم سيل الإنذارات التي وجهها رئيس الحكومة، إلا أنّ شركاءه الحكوميين، وتحديداً باسيل، لا يزال يمعن في ضرب هيبة رئاسة الحكومة من خلال “القبض” على جلسات مجلس الوزراء، مهما تبادل الرجلان التبريرات غير المقنعة.

وتقول احدى شخصيات الحلقة الحريرية، إنّ رفيق الحريري ألصق حيثيته السياسية بـ”سوليدير” فبدا “رجل الإعمار”، فيما يحاول نجله بعد أكثر من 14 سنة على وضع العباءة على كتفيه، اكمال مسيرته “المتعثّرة” عن طريق مشروع “سيدر”.

علّق “الحريريون” إلى الآن ثلاث معارك أساسية: معركة المحكمة الدولية، معركة سوريا وأخيراً معركة سلاح “حزب الله”، حتى لو تمسك بعض أركان هذه الدائرة وحلفائها بهذه العناوين، لكن الاستثمار السياسي لم تعد له ثماره. ولهذا يحاول رئيس “تيار المستقبل” صناعة “لوغو” جديد: الانقاذ الاقتصادي.

يمثّل الحريري “سفير” الحكومة اللبنانية لدى الدول والهيئات المانحة كما يمثل ضمانة هذه الصناديق في المسار المنتظر من القروض الميسرة، ولذا يحاول استثمار هذه الورقة لتكون عنوان بريده السياسي للمرحلة المقبلة وقشّة خلاصه في بحر الأزمات التي يتخبط فيها واقعه، وتتحدى مستقبله السياسي.

أما لغير هذا الهدف، فلا يبدو الحريري معنياً بالانجرار إلى معارك يريدها الآخرون أو يحاولون فرضها عليه. هكذا، قرر تطويق كل صوت اعتراضي قد يخرج من قلب بيته.

ورغم كل الضجة التي تثار من حوله، إلّا أنّ هناك من يعتبر أنّ سعد الحريري ليس في أسوأ أحواله ويستطيع فرض شروطه ضمن سقف التسوية الرئاسية.

لن يجد الحريري من يجادله في أصل التسوية الرئاسية، ولكنه وجد من يناقشه في انحراف مسارها، ولو أنّه يتصرف على أساس أنّ العلاقة مع رئيس الجمهورية هي العمود الفقري لكل مسيرته الراهنة. فهو مستعد للمشاغبة مع أي كان، إلا مع عون.

ولكن يمكنه تحت هذا السقف، بنظر مؤيديه، تحسين شروطه. يكفيه أنّه لا يزال يملك “ختم” رئاسة الحكومة بكل الصلاحيات المناطة به، ما يسمح له بأن “يخبط” قدمه بالأرض رفضاً لأي أمر يعترض عليه.

الحاجة بين شريكيّ التسوية، متبادلة وليست من طرف واحد كما يؤكد معارضو أداء رئيس الحكومة. يكاد يجمع كل من سجل اعتراضاً على الحريري من أبناء بيته، على أنّ العقدة هي في “الفوقية” التي يتعامل فيها وزير الخارجية مع رئيس الحكومة ومن يمثّل.

ويقول الحريصون على الحريري إنّه اذا لم يتمكن من التصرف على أنه شريك بالقرار السياسي فعلاً لا قولاً، على نحو حاسم وسريع… فثمة صعوبة كبرى في امكان الحكومة أن تكمل طريقها، وأن يبقى الحريري على القيد السياسي.

حتى الآن، لا يزال الرجل يحظى بغطاء غربي، ودعم أميركي مباشر، فيما تفيد المعلومات أن علاقته بالإمارات تحسنت على نحو ملحوظ. محلياً، باتت القناعة أنّ سعد الحريري يواجه مرحلة اختبارات صعبة، ولا خيار أمامه سوى عبورها بنجاح. ولكن كيف؟