تُراوح الجهود المبذولة لايجاد صيغة تُخرج البلاد وحكومتها من “البساتين” العالقة فيها منذ 30 حزيران الماضي، مكانها. وبعد ان أشيع في الايام الماضية أن “تسويةً ما” اقتربت من النضوج، تقضي باحالة الحادثة الى المحكمة العسكرية بعد ان يسلّم الطرفان المعنيان بها، اي الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديموقراطي اللبناني، المطلوبين جميعهم الى العدالة، عادت الامور الى المربّع الاول، مع رفض رئيس الفريق الثاني طلال ارسلان، الحلّ هذا، الذي كان توافق عليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، حيث أبلغت “خلدة” وسيطَ الجمهورية المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي عمل على تسويقه لديها، أنّها متمسّكة بإحالة القضية الى المجلس العدلي “ونقطة عالسطر”.
الموقف المتشدد الذي يرفعه ارسلان يعني عمليا ان لا جلسة لمجلس الوزراء في المدى المنظور، الا اذا قرر الرئيس الحريري توجيه الدعوة الى جلسة والذهاب نحو خيار التصويت على احالة الملف الى “العدلي”، وهو الامر الذي لا يحبّذه حتى الساعة. فالى متى يستمر التعطيل؟
مصادر سياسية مراقبة تقول لـ”المركزية” إن رئيس “الديموقراطي” يملك وزيرا واحدا في الحكومة، أي ان لا قدرة لديه وحيدا على فرض شروطه على مجلس الوزراء، وأن “قوّته” تنبع من “حلفائه”. واذا كان من الطبيعي ان يساند التيار الوطني الحر، ارسلان في ما يريده، خاصة وانه يرى ان رئيسه جبران باسيل، كان يمكن ان يكون في “مقعد” الوزير صالح الغريب في تلك الحادثة، فإن العيون ترصد موقف “حزب الله” من الملف.
الطابة في ملعب “الضاحية” اليوم، مفتاح “أصفاد” الحكومة ايضا، تقول المصادر. فاذا رفعت الغطاء عن ارسلان وطالبته بالسير بالتسوية، هذا ما سيحصل. أما اذا بقيت تدعمه، فان الحكومة لن تجتمع قريبا. فأي موقف ستتخذه؟ المصادر تشير الى ان قرار حزب الله مرتبط في الواقع، بالوضع الاقليمي. وهي تلفت الى خيارين لا ثالث لهما في هذه المسألة التي تتجاوز واقعة “البساتين” بحدّ ذاتها، الى ما هو اوسع وتحديدا الى موقع لبنان في الصراع الاكبر الدائر حاليا بين واشنطن وطهران.
فهل مصلحة “حزب الله” ومن ورائه “إيران”، تقتضي إبقاء الساحة المحلية مستقرّة سياسيا وأمنيا، والحفاظَ على الستاتيكو السياسي الحكومي القائم اليوم، على حاله، مضبوطا تحت سقف التسوية الداخلية الكبرى التي أرست الحكومة الحالية برئاسة الرئيس الحريري وبتوازناتها وتعدّدها، بما تشكّله من “صمام أمان” لحزب الله في ظل موجة العقوبات الاميركية الكبيرة التي تطاله، والمرشّحة للتوسع في المرحلة المقبلة حتى يمكن ان تطال حلفاءه؟
أو ان مصلحة ايران تتطلّب تفجير الوضع في الداخل، وقلب الطاولة على المعادلة السياسية اللبنانية الراهنة، بحيث يستمر التعطيل المؤسساتي “تحت ذريعة البساتين”، كمقدّمة لاسقاط الحكومة الحالية وتشكيل أخرى أكثر “وفاء” لمحور “الممانعة” في المنطقة، لا يكون الحريري رئيسها ولا القوات او الاشتراكي جزءا منها؟
كلمة السرّ في هذا الشأن، لا بد ان يكون حملها الى بيروت، مساعد رئيس مجلس الشورى الاسلامي الايراني حسين أمير عبد اللهيان، في الساعات الماضية. فهل فحواها مرونة ام تشدد؟ الجواب لن يتأخّر وسيتظهّر في الايام القليلة المقبلة، خاصة وان وفدا من “حزب الله”، يزور ارسلان اليوم.