في الاتجاه المعاكس للحقيقة تم تصوير موقف رئيس الحكومة سعد الحريري من المجلس النيابي امس حينما اعلن انه سيطلب من وزير العمل كميل ابو سليمان ان يرفع القرار بشأن مكافحة اليد العاملة الاجنبية غير الشرعية الى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار الملائم بهذا الموضوع. معظم من استمع الى رئيس الحكومة ظنّ ان كلامه هذا موجه ضد قرار الوزير ابو سليمان وانه يسحب منه في مكان ما صلاحية تطبيق القانون بما يضرب الدولة وهيبتها. لكنّ العالمين بخفايا القضية وبواطنها يدركون ان ليس هذا هدف الحريري من موقفه الذي فُسِر على غير ما اراد منه. ذلك ان رئيس الحكومة الداعم للوزير الحريص على تطبيق القانون والبعيد نسبياً من اجواء التسويات السياسية التي تنسف القوانين في لبنان، اراد، كما تقول مصادر سياسية مطّلعة على ملف تنظيم العمالة الاجنبية في لبنان وموقف رئيس الحكومة منه لـ”المركزية”، ان يغطي الوزير فلا يحمّله وحده تبعات تداعيات القرار على المستوى الشعبي في ضوء موجة الاعتراض الفلسطيني التي تحركها جهة فلسطينية واحدة تنتمي الى محور المقاومة والممانعة هي حركة حماس وما يتفرع منها و”الجهاد الاسلامي” الى غيرها من الفصائل، خلافا للموقف الفلسطيني الرسمي الذي اعلنه الرئيس محمود عباس، مؤكدا “اننا تحت سقف القانون اللبناني، ولا نريد قوانين خاصة بنا إطلاقا، ومن حق لبنان أن يطبق قانونه”.
فرئيس الحكومة الذي يتابع الملف بدقائقه يقف الى جانب وزير العمل ويقدم كل دعم يلزم ، وهو قال ما قاله من اجل نقل القضية الى مجلس الوزراء، ليس لاطاحة القرار او محاولة تمييعه كما اعتقد البعض، بل لتأكيده وتغطية الوزير حكومياً. واكثر، تضيف المصادر فإن الاتصالات في هذا الشأن لم تنقطع بين بيت الوسط ومعراب ومحورها الاساس تطبيق القانون ودعم الوزير في قراره، اذ ان سياسة الهروب من المشكلة على قاعدة ان كل الدروب تؤدي إلى السيناريو التسووي نفسه لم يعد جائزا المضي بها، خصوصا حينما تكونهيبة الدولة على المحك.
وعلى رغم غياب اي حاضنة سياسية داخلية لقرار الوزير، يمضي ابو سليمان فيه غير آبه بما يحيط به من تفاعلات ما دام الهدف تطبيق القانون والشرعية وكما اعلن ان “هناك قوانين سنعمل على تطبيقها وهي تعطي امتيازات ومنافع للعمال الفلسطينيين، ووزارة العمل ستعطيهم الحقوق اللازمة
اما عن “زعل” الحريري من القوات بسبب امتناع كتلة “الجمهورية القوية” عن التصويت لمصلحة الموازنة، فتفيد مصادر معراب “المركزية” ان العلاقة بين معراب وبيت الوسط في أحسن حال ولعلها لم تكن يوما افضل، فرئيس الحكومة يتفهم جيدا طبيعة القرار القواتي وابعاده ويدرك منهجية عمل الحزب المرتكزة على قاعدة ان اي قرار يتخذه يهدف الى بناء الدولة القوية، بعيدا من الشعبوية والاستغلال، فما انتهى اليه مشروع الموازنة الذي لم يدخل الاصلاحات الضرورية الى متنه من وقف التهرب الضريبي والجمركي الى ضبط المعابر غير الشرعية وغيرها، وبقاء بعض البنود مبهمة خصوصا المتصلة بفرض ضرائب على البضائع المستوردة، لا يستحق التصويت ولا التصديق البرلماني. فسياسة تسجيل الاعتراض ورفع الصوت ثم “البصم” على ما يقررون ليست عملة رائجة في معراب. وقرار الامتناع يخدم الرئيس الحريري وحكومته لانه يشكل ربط نزاع مع موازنة العام 2020 ، ومطالبنا هي نفسها ما يطالب به من اقفال المعابر غير الشرعية الى اشراك القطاع الخاص مع القطاع العام، غير ان العقبات الحائلة دون ادخال الاصلاحات هذه معروف مكمنها.
وتختم المصادر القول ان حزب القوات وجه خلال اليومين الماضيين رسالتين قويتين الى من يعنيهم الامر، الاولى ان لا دولة قوية الا من خلال تطبيق القانون ولا دولة في ظل التسليم بسياسات الامر الواقع، فإما قانون على الجميع او لا قانون، والثانية ان سياسة اعترض ثم نفذ لم تعد جائزة في مسار بناء الدولة وبات لزاما وجود من يرفع عبارة “مش ماشي الحال”، لوقف مسار التدهور السريع.