كتب أكرم حمدان في صحيفة “نداء الوطن”:
لم يكن مستغرباً ما تم إقراره في مجلس النواب مساء أمس لجهة “فتوى” مخالفة الدستور باعتراف الجميع تحت مسمى “الضرورات تبيح المحظورات”، حسب توصيف رئيس مجلس النواب نبيه بري تمهيداً للمصادقة على اقتراح قانون معجل مكرر يحل مشكلة قطع الحساب، وهو ما كانت ذكرته “نداء الوطن” عندما بدأ مجلس النواب مناقشة الموازنة منذ أيام، أي إعطاء الحكومة مهلة ستة أشهر لإنجاز مشاريع قوانين قطع الحساب منذ العام 1993 وحتى 2017 ضمناً، مع إضافة نص يسمح للحكومة وخلال مهلة شهر بتأمين الموارد البشرية والمالية اللازمة لتمكين ديوان المحاسبة من إنجاز مهمته في تدقيق الحسابات المالية.
وقد أقر هذا الإقتراح الذي تقدم به النائب ألان عون بعدما انتهت الكلمات ورد كل من وزير المال علي حسن خليل ورئيس الحكومة سعد الحريري على مداخلات النواب الـ52، الذين تحدثوا على مدى ثلاثة أيام و20 ساعة كلام، بمعارضة من نواب كتلتي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” والنواب ميشال معوض، جميل السيد، أسامة سعد، بولا يعقوبيان، فيصل كرامي وجهاد الصمد بعدما جرى نقاش حول دستورية الإقتراح والمقاربة بين السيئ والأسوأ. وهو ما يسمح بنشر قانون الموازنة بعد مناقشتها وإقرارها اليوم في جولة جديدة حددها الرئيس بري عند الساعة الثالثة بعد الظهر. واعتبر “الوطني الحر” أن الصيغة التي صوّت عليها منعت التسوية على الحسابات المالية منذ العام 1993 وحتى اليوم، لأن الحل الذي كان مطروحاً يقضي بالموافقة على حسابات العام 2017 فقط، مع ما يعنيه ذلك من اقفال للملف في ما يتعلّق بالسنوات الماضية. وبالتالي، فمهلة الستة اشهر لديوان المحاسبة للتدقيق بالحسابات التي سبق وانجزتها وزارة المال، انقذت الحسابات المالية ولم تسمح بالتسوية عليها او تصفيرها.
ردّ الحريري ووزير المال
وكانت الجولة المسائية سجلت آخر كلمة نيابية للنائب ميشال موسى استعرض فيها حال حقوق الإنسان في البلاد، ثم رد مسهب من وزير المال علي حسن خليل على مداخلات النواب بيّن فيه ما وصفه بالإنجازات التي حققتها هذه الموازنة التي تعتبر تأسيسية للمرحلة المقبلة، في عملية الإصلاح والنهوض التي تتطلب مشاركة الجميع فيها عبر مشاريع واقتراحات قوانين تواكب مؤتمر “سيدر” الذي هو ليس “بعبعاً” كما صوّره البعض من الزملاء النواب.
وكشف خليل عن وثيقة رسمية مصدرها الأجهزة الأمنية تتحدث عن 136 معبراً غير شرعي معروفة بتفاصيل الأسماء والمهربين ونوع التهريب ولقب المهرب، ما دفع بري إلى القول إنهم متفقون على مصالحهم ونحن مختلفون على مصلحة الدولة. وقد استفز هذا الأمر النائب أغوب ترزيان الذي طالب بشطب كل الضرائب من الموازنة طالما أن الأزعر يُهرب والآدمي يدفع الضريبة.
اما مداخلة الرئيس الحريري فقد ركزت على ضرورة استعادة الثقة ووقف السجالات وتقديم البدائل: “لقد سمعنا من كتلة نيابية أن الموازنة من ضمن رؤية اقتصادية، فالرؤية الاقتصادية موجودة في البيان الوزاري وفي مؤتمر “سيدر” وعلى أساسها أخذنا الثقة”. وأشار إلى أن “سيدر هو عبارة عن مشاريع تريد الدولة اللبنانية القيام بها في كل القطاعات”، وتطرق إلى “تحفيز القطاعات الانتاجية لزيادة النمو”، وقال: “هناك 150 مبادرة تم تحديدها في هذا الشأن، وهي موجودة بخطة ماكينزي، ومن لا يوافق على الرؤية الاقتصادية عليه ان يطرح رؤيته الاقتصادية”.
أضاف: “ليس كل جهد يتم إطلاق النار عليه، فإذا كانت الحكومة فاسدة فكل الكتل النيابية الموجودة في المجلس فاسدة، وأكد ان موازنة العام 2019 وضعت ركيزة اساسية للاصلاح. كما ان لا اصلاح من دون كلفة، ولا احد يتهرب من الكلفة، ولا اصلاح بمزايدات سياسية، ولا يمكن ان نكمل بقطاع عام منتفخ” .
الجولة الصباحية
وكانت مناقشات اليوم الثالث للموازنة التي سجلت 14 مطالعة نيابية، بدأت صباحاً مع مداخلة للنائب فيصل كرامي مليئة بالإستشهادات الدينية والآيات القرآنية متلازمة مع تضامنه مع النائبين محمد رعد وأمين شري ضد العقوبات الأميركية، معلناً امتناعه عن التصويت على الموازنة.
وبعدما أنهى كرامي مداخلته، علق الرئيس سعد الحريري قائلا: “إن اللقاء التشاوري ممثل بوزير في الحكومة وقد صوت مع الموازنة في مجلس الوزراء ولم نسمع منه هذه الإقتراحات والأفكار القيمة التي طرحها سعادة النائب”.
فرد النائب الصمد بشكر الحريري على اعترافه باللقاء التشاوري بشكل رسمي وعلني، فما كان من الرئيس نبيه بري إلا تكرار موقفه القائل إن وجود وزير في الحكومة لا يُلزم أي نائب فالمجلس سيد نفسه ويمكن للنائب إتخاذ ما يناسبه في التصويت.
ثم تحدث النائب غازي زعيتر الذي أثار بعض المطالب والملفات المتعلقة بمنطقة بعلبك الهرمل على الصعد الزراعية والتنموية والطرقات، وكذلك حق الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية.
أما النائب فؤاد مخزومي الذي ختم مداخلته بموقف ضد الموازنة في التصويت، فاستعرض المخالفات الدستورية وإدارة البلد على وقع التسويات والمحاصصة، مطالباً بتعديل قانون البلديات. أما نواب “القوات اللبنانية” الذين تحدث منهم ثلاثة فقد توزعوا الملفات مكررين موقف الكتلة من الموازنة ومستغربين إستهجان موقف بعض النواب من هذا الخيار، فالنائب عماد واكيم ذكر بأن القوات ووزراءها تحفظوا على الموازنة في مجلس الوزراء، لافتاً إلى أن الأرقام ليست حزبية أو قواتية وهي تبين بأن العجز سيتجاوز الـ 10%، داعياً إلى موازنة إنقاذ ما تبقى وليس الإجهاز على ما تبقى.
أما النائب أدي أبي اللمع فاشار إلى “أننا سنناقش ونقترح ونؤيد أي بند إصلاحي ونعترض حيث لا يوجد ذلك”، مقترحاً الإسراع في الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإنقاذ الدولة ومؤسساتها عبر إعادة هيكلة القطاع العام.
وتناول زميله في الكتلة فادي سعد موضوع القوانين الـ52 التي لم تصدر مراسيمها التطبيقية، مستغرباً الحملة على وزير قام بتطبيق القانون (وزير العمل)، واصفاً الموازنة بالكلام المفرح والأفعال المحزنة، وخاتماً بالحديث عن إجراءات وزيرة التنمية الإدارية بوقف التوظيف المخالف للقانون.
هذا الأمر دفع النائبة عناية عزالدين التي كانت تشغل منصب وزيرة التنمية الإدارية في الحكومة السابقة إلى التوضيح أن ما كانت تقوم به هو تعاقد مع خبراء وأخصائيين بناء على تفويض من مجلس الوزراء واستشارة مجلس الخدمة المدنية وليس خلافاً للقانون.
ولأن المسألة تتعلق بوزارتها، أوضحت الوزيرة مي شدياق أن ما قامت به ليس موجها ضد أحد فهي تقدر عالياً الدكتورة عز الدين ولكنها علقت عقود ستة أشخاص بناء على رأي النيابة العامة في ديوان المحاسبة وهي تنتظر القرار النهائي من الديوان.
النائبة رولا الطبش، أسفت للحديث السلبي الذي يخرج من تحت قبة البرلمان من دون اقتراح الحلول وبالتالي دفع الناس إلى اليأس، مشيدة بالإصلاحات الواردة في الموازنة.
واستعرض النائب نعمة إفرام واقع المالية الصعب مفنداً الأرقام، ومكرراً إقتراحه بوضع خطة خمسية تصل إلى عجز (صفر)، وإعلان الحرب على الفائدة وتغيير بنيوي من خلال حماية الصناعة ووضع رسم 3% على البضائع المستوردة.
سجال عون – الجميل
وكانت الكلمة المعدول عنها والأكثر سجالاً وسخونة في الجلسة للنائب سليم عون الذي بدأ بتبرير عدوله عن الكلام ليسأله النائب نديم الجميل: “ماذا تفعل الآن طالما عدلت؟”، فما كان من عون إلا الرد السريع بالقول: “لا تساجلني روح لعاب حد بيتكن”. وبدأ السجال الذي شارك فيه أيضاً النائب الياس حنكش محاولاً التهدئة، لكن السجال وصل إلى حد قول عون: “الله يرحم يلي خلف ومات وكتر” فرد الجميل قائلا: “لست هنا لأنني إبن أبي فأنا أمثل 5000 صوت من الأشرفية وإنت مدري مين داحشك حتى موجود هون” فرد عون بأنه يمثل 6000 صوت من زحلة.
وبعدما تدخل بري لوقف السجال، تابع عون شارحاً بأن عدوله عن الكلام هو عدم استطاعة المجلس النيابي عبر المناقشات عكس الصورة الإيجابية والعمل الناجح الذي جرى في لجنة المال والموازنة، معتبراً أن الهدر الأكبر الذي نعاني منه هو في الوقت الذي لا نعمل له قيمة وإلا كنا وفرنا الكثير من الكلام.
أما نائب “المردة” إسطفان الدويهي فقد أعلن عن تصويت مشروط بإصلاحات في موازنة العام 2020 لأن الكحل أفضل من العمى على أمل ألا يكون هذا الكحل أكثر ظلامية. وركّز النائب عاصم عراجي على الواقع الزراعي في البقاع وكذلك الواقع الصحي في لبنان وضرورة الإسراع في إقرار قانون البطاقة الصحية وحل أزمة تهريب المنتجات الزراعية التي تنافس الإنتاج المحلي.
ووصف النائب علي فياض الموازنة بأنها “موازنة إلتقاط أنفاس ومنع الإنهيار”.
ولم يغفل النائب جهاد الصمد التضامن مع زميليه رعد وشري، فقد استرسل في تفاصيل ما أسماه الهدر والفساد والفضائح في وزارة الإتصالات وهيئة أوجيرو مع الأرقام والمستندات التي تمنى الرئيس بري على وزير العدل أن لا تمر مرور الكرام.
وأبرز ما كشفه الصمد هو المفاوضات التي تجريها لجنة وزارية لتحضير دفتر شروط تضم عن لبنان فريقي التسوية مع شركة أورانج الفرنسية حول ملف الإتصالات، وكيف أن نائباً هو النائب نقولا صحناوي عضو في هذه اللجنة، متسائلاً عن عهد الإصلاح والتغيير ومعلناً أنه سيصوت ضد الموازنة.
كلام الصمد أثار حفيظة وزير شؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي الذي حاول تبرير وجود صحناوي في اللجنة بالقول إن ما من مانع قانوني كونه وزيراً سابقاً للإستفادة من خبرته وتجربته، لكن الرد السريع جاء من بري بالقول: “تستفيد منه كمستشار وليس عضواً”.
الكلمة الأخيرة في الجولة الصباحية كانت للنائب أدي دمرجيان الذي بدا واضحاً أنه ينطق باسم النائب السابق نقولا فتوش خصوصاً عندما استعان بفواتير وببعض الفقهاء الدستوريين، مستعرضاً المخالفات الدستورية للموازنة.