كتب جورج مالبرونو – لو فيغارو في صحيفة “الجمهورية”:
في الجمهورية الإسلامية المتدينة جدًا، هنالك جيل جديد يمارس سوء السلوك الاجتماعي إلى حدّ الإفراط أحياناً. السلطات، المنزعجة أكثر من كونها مهدّدة، تتحرّك في الوقت المناسب لكنها تغمض عينيها في كثير من الأحيان عن هذا التمرّد الاجتماعي المصنوع من الالتواءات الصغيرة.
«جينز» ضيّق، شعر قصير وعيون حمراء، يتلقى جافاد مكالمة هاتفية في السيارة. لديه موعد مع شابين سيبيعهما الحشيش في موقف للسيارات قرب حديقة في «كاراج»، وهي عبارة عن مدينة كبيرة تضمّ مهاجع وتقع على بعد حوالى 50 كيلومتراً غرب طهران.
قال هذا الشاب الذي يبلغ من العمر 26 عاماً ويعمل في أحد المتاجر الكبيرة: «يزداد الطلب على المخدرات. ليس هناك ترفيه فعلي للشباب في إيران، باستثناء السينما، لهذا السبب يتعاطون المخدرات أو يشربون الكحول».
يُنتج الحشيش في حقول على مشارف مدينة «كاراج». ويشرح جافاد: «غالباً ما يكون اللاجئون الأفغان هم حرّاس حقول إنتاج الحشيش». هو يتعاطى الحشيش منذ أربعة أعوام، «ليس كثيراً، غرام ونصف كلّ أسبوع». إعادة البيع هي وظيفة تدعمه مادياً في موسم الذروة – بعد الحصاد في الخريف – بما يعادل 40 يورو، أي خمس راتبه. «يحبّ الفقراء الحشيش، والأثرياء يتعاطون الـEcstasy والـ LSD في حفلاتهم الخاصّة حيث يشربون الكحول، بحضور شابين أو ثلاثة للمراقبة في حال أتت الشرطة».
بحسب الرأي العام تُظهر الشرطة حماساً قليلاً ضدّ متعاطي المخدّرات. يشرح جافاد: «الطلب مرتفع جدّاً، وبكلّ الأحوال الحشيش ليس خطيرًا جدًا». إنّه نوع من الصمامات التي تُركت لهذا الشباب الذي يعاني. ويضيف جافاد: «بعض رجال الشرطة يشتركون معنا، لديّ زبائن من بينهم».
وفي حيّ آخر من كاراج، في الواقع، في درب مظلّل كبير، في أسفل الزقاق. هنا يحصل الشباب على مونته من الحشيش. تتراوح أعمارهم ما بين الـ14 والـ15 سنة. ظاهرة حديثة، يستهلك المخدّرات من هم صغار في السن أكثر فأكثر. بعد ظهر ذلك اليوم، مراهق واحد فقط، جالس على مقعد، ينتظر مموّنه. يروي جافاد وهو في سيارته التي تمرّ من أمام المنازل الجميلة المسيّجة بجدار عالٍ، خلفه يزرع المالكون الحشيش في حدائقهم: «يتواجد الناس بكثرة في الوقت المبكر من المساء». ابتسم جافاد وبصوته الراجف قال: «أعرف ذلك لأنني أعمل معهم».
يتم تهريب حوالى ثلث المخدرات المُنتجة في أفغانستان المجاورة عبر إيران. تتخذ القوات الأمنية بشكل منتظم تدابير مهمة، كما حدث في أوائل تموز عندما تمّ ضبط 327 كيلوغراماً من الأفيون في محافظة يزد، شرق البلاد. دفعت الجمهورية الإسلامية ضريبة كبيرة في حربها ضد حركة الإتجار بالمخدرات الآتية من أفغانستان قبل ذهابها إلى الخليج، ولكن، خصوصاً إلى أوروبا عابرةً في تركيا. وذكرت التقارير الصحفية الرسمية أنّ 4000 شرطي إيراني لقوا حتفهم خلال 40 عامًا في محاربتهم المهرّبين. وتقول طهران، إنّها أنفقت مئات الملايين من الدولارات لتضبط حدودها ولتمنع نقل المخدرات إلى أوروبا أو آسيا الوسطى. وحذّر ماجد رافانشي، ممثل طهران في الأمم المتحدة، في أوائل تموز، من أنّ أوروبا إن لم تَظهر أكثر عزمًاً على إنقاذ الاتفاقية النووية – والتي تعني تداعيات إقتصادية جديدة لطهران، والتي مزّقها دونالد ترامب السنة الماضية – ستبذل إيران مجهودًا أقل في معركتها ضد تهريب المخدرات.
وفي سياق الردّ، قال دبلوماسي: «رهان محفوف بالمخاطر لأنّه قد يزيد من الاستهلاك المحلي».
في الجمهورية الإسلامية المتدينة جدًا، حيث يراهن الشباب منذ فترة طويلة على الإصلاحيين ثم على الرئيس المعتدل حسن روحاني للاستفادة من انفتاح سياسي لم يحصل يوماً، بدأ الاحتجاج الاجتماعي في الظهور، ليعبّر عن شعور أعمق بالضيق.
أردفان، شاب إيراني في الثلاثينات من عمره
أردفان وفايزة ثنائي، في سن الثلاثين، غير متزوّجين، إذًا هما ثنائي غير شرعي نظريًا. شارك هو في الإحتجاج الذي نظّمه الحراك الأخضر عام 2009 والذي تعرّض للقمع الشديد. أكّد أردفان الذي يعمل كموظف بنك: «لم يعد الجيل الجديد مُسيّسًا لكنّه في بعض الأحيان، يعاني من سلوك إجتماعي سيّء إلى حد الإفراط». تروي فايزة قصتها مع جلسات السباحة السريالية المُخصصة للنساء حيث تستحم الإيرانيات عاريات تمامًا للحفاظ على سمرتهنّ بالكامل.
يصنع أردفان النبيذ، ما هو محرّم في إيران، لكنه مسموح للأرمن. يُنتج حوالى أربع مئة ليتر من النبيذ، يصنعه من العنب الذي يشتريه من السوق. وبالتالي، أسس شركة عائلية صغيرة مع والده وصديقه، أكملها بإنتاج صغير من البيرة، مضيفًا الخميرة والسكر إلى «الجعة الإسلامية» – أي بدون كحول – ليتمكّن الجميع من الحصول عليها. تذكّر أردفان قائلاً: « منذ خمس سنوات، اشترى عددًا قليلاً من الإيرانيين العنب، لكن آخر مرة، كان عدد المشترين كبيرًا جدًا في السوق». إن ارتفاع سعر الكحول في السوق السوداء يُفسّر هذا الهوس بالنبيذ. كذلك بالنسبة إلى المخدرات، تدرك السلطات جيدًا أن العديد من الإيرانيين يشاركون في هذه المنتجات غير المشروعة. لكنها تميل إلى غض النظر عن ذلك، بينما تقوم في بعض الأحيان بمداهمات في الوقت المناسب على المستهلكين أو منتجي الكحول.
لا تتردد فايزة المعلمة في التخلّي عن حجابها عند الخروج إلى بعض الأحياء أو الحانات في طهران. لكن في الآونة الأخيرة، أصبحت حذرة أكثر. ففيما يتعلق بارتداء الحجاب الإلزامي – وهو أحد أهم ركائز الجمهورية الإسلامية – فتكون شرطة الآداب يقظة ومتشددة على هذا الموضوع أكثر من تعاطي المخدرات والكحول.
خصوصًا بعد حركة «بدون حجاب» التي نظّمتها إيرانية تعيش في الولايات المتحدة ونُقلت على تلفزيونات المعارضة التي يشاهدها العديد من السكان على أقمارهم الصناعية، تجرّأ المزيد من الإيرانيات على التخلّي عن الحجاب، في بعض أحياء الطبقة الوسطى في شمال طهران، وأثناء قيادتهنّ السيارة أيضًا. وبالتالي، ردّت الحكومة من خلال مرسوم يوضح أنه داخل المركبات يُعتبر مكانًا عامًا، وعلى طرقات البلاد، تتسلل عيون المراقبين.
روت فايزة حادثة مزعجة وقعت أخيراً مع ثنائي صديق لها، ليسا متزوجين أيضًا، فقالت: «رصد رجل ما صديقتي من دون حجابها أثناء تنقّلنا داخل المقاطعة. صوّر لوحة ترخيص سيارتنا وبعد يومين من عودتنا إلى طهران، تلقّى صديقها، صاحب السيارة، رسالة نصية قصيرة تدعوه إلى الشرطة، وقيل له إنه في المرة المقبلة سيتم تغريمه، وإذا استمرّت زوجته بذلك، سيتم حجز سيارته لمدة 15 يومًا». عقاب طفيف. من الواضح أن السلطات، الغارقة في وضع إقتصادي كارثي، لا تريد أن تتعارض مع المزيد من الإيرانيين.
يستنتج الدبلوماسي: «في مسألة الحجاب، تعتمد السلطات أسلوباً دقيقاً. حكم القضاء الإيراني على المحامية نسرين سوتوده بالسجن لمدة 38 عامًا، لدفاعها عن فتيات قُبض عليهن لعدم ارتدائهن الحجاب، وهي عقوبة ثقيلة جدًا ونموذج هدفه واضح: لا نريد أن نرى الفتيات بلا حجاب في المقاهي».
ماذا يحدث إن تخلّت 500.000 إمرأة إيرانية عن حجابهن في وقت واحد؟ الأمر الذي يشكل هاجسًا للنظام. تُقسم فايزة: «لن يكون في وسع الملالي التحرك ضدهنّ»، لكن صديقها يشكّك في الأمر. لن يطلقوا النار على الحشد، لكنهم سيحرّضون النساء المؤيدات لهم للإحتجاج ضد المُعارضات. لا تهدّد هذه الطرق الجديدة في الإحتجاج النظام، لكنها تشير إلى أنه سيواجه تحدّيًا خطيرًا على المدى الطويل، كذلك الذي يمثله خصومه السياسيون.