كتبت راكيل عتيِّق في صحيفة “الجمهورية”:
لم تخمد نار غضب الفلسطينيين، إحتجاجاً على ما طاولهم من خطة وزير العمل كميل أبو سليمان لتنظيم العمالة، على رغم تأكيد قيادتهم السياسية الشرعية أنهم تحت سقف القانون اللبناني، وعلى رغم معرفتهم أنّ خطة وزارة العمل تطاول الجميع، من لبنانيين وغيرهم، ولا قرار يستهدفهم بالتحديد. أمّا الإحتجاج، المفهوم منه، فهو أبعد من خطة وزير العمل. الإعتراض سياسي. والمطلوب، رسائل إيجابية للخروج من الشارع. الرسائل سبق أن أوصلها أبو سليمان، وبالتالي بالنسبة إلى «القوات»: «لا عودة لا عودة لا عودة» عن تطبيق القانون. كذلك، من غير الوارد لدى رئيس الحكومة سعد الحريري الطلب من أبو سليمان التراجع.
ما زالت بعض الجهات الفلسطينية واللبنانية مصرّة على الإحتجاج في الشارع على «قرار» أبو سليمان، مطالبين إيّاه بالتراجع عنه، على رغم أنّ لا قرار يتعلّق بالفلسطينيين. وتجلّت الإحتجاجات التي عمّت مناطق وشوارع عدة في الجنوب وبيروت والشمال، باعتصام في ساحة الشهداء في صيدا عقب صلاة الجمعة، تحوّل مسيرة راجلة وسيّارة جابت بعض شوارع صيدا.
وتتواصل هذه الحركات الإحتجاجية على رغم تأكيد المسؤولين اللبنانيين، على رأسهم رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة سعد الحريري، الحفاظ على خصوصية الفلسطيني في لبنان، وأنّ الموضوع «منتهي»، وعلى رغم إرسال الرئيس الفلسطيني محمود عباس موفداً عنه التقى المسؤولين اللبنانيين، وأكّد حق لبنان في تطبيق قوانينه، مشدّداً على وقف الإحتجاجات، وعلى أنّ الأمور تُحلّ بالحوار و«الحوار فقط».
فلماذا تستمر الإحتجاجات الفلسطينية في الشارع، خصوصاً أنّ القيادة الفلسطينية تُجري حواراً مع الجهات اللبنانية، وأنّ كل هذه الجهات، بما فيها وزير العمل، متفهمة للهواجس الفلسطينية ومستعدة للتجاوب معها؟
يقول مسؤول العلاقات اللبنانية في حركة «حماس» أيمن شناعة لـ«الجمهورية»: «اعتراضنا سياسي له علاقة بجوهر القرار، وهو إضفاء صفة أجنبي على الفلسطيني، فيما أنّه يحمل صفة محددة من الأمم المتحدة وافقت عليها الدولة اللبنانية من خلال توقيع إتفاقات دولية، وهي صفة لاجئ سياسي في لبنان».
وإذ يعترف أنّ «خطة وزير العمل تشمل جميع الناس وتطبيق القانون يطاول اللبناني وجميع الموجودين داخل البلد»، يعرب عن التخوّف من «نزع صفة لاجئ عن الفلسطيني الذي يؤدي إلى مراحل توصل إلى التوطين».
ويشير إلى «العمل على إعداد وثيقة تفصّل خطة وزير العمل وكلامه من الجانبين السياسي والقانوني، وتوضح ما يحقّ للفلسطيني حسب القوانين». ويؤكّد أنّ «الفلسطيني في لبنان تحت سقف القانون، ونحن منفتحون على الحوار، لكن في الوقت نفسه لا نستطيع ضبط الشعب الفلسطيني المقهور، ولا يمكننا الطلب منه أن يخرج من الشارع قبل أن تصلنا رسائل إيجابية وواضحة بإعطائنا حقنا».
ما هي الرسائل المطلوبة أكثر من تأكيد أبو سليمان تسهيل معاملات الفلسطيني وتطمينات بري والحريري؟
يجيب شناعة: «لنا ثقة بكلام جميع المسؤولين. لكن شعبنا يريد أن يرى أمراً ملموساً، لأنّه إذا تراجع في هذه النقطة، فنحن نعلم أن هناك تفاصيل أخرى ستندرج بعد هذه القرارات، وسيوضع شعبنا الفلسطيني في مهبّ الريح. نحن مع هيبة الدولة وتحت سقف القانون، ولكن من حق الشعب الفلسطيني المطالبة بحقوقه المدنية والإنسانية والسياسية. وإعتبار الفلسطيني أجنبياً ينتقص من حقه كلاجئ. هذه النقطة مهمة جداً لنا في السياسة وفي تعاملنا مع الأمم المتحدة والدول الأخرى».
في المقابل، يؤكّد شناعة، أنّ «الشارع الفلسطيني ليس في وجه الوزير. ولن نسمح لأحد بأن يأخذ التظاهرات السلمية إلى مكان غير محمود»، جازماً «أننا سنحصر الإشكالية في مكانها ولا مصلحة في أن نوسّع إطار الإشكال، فنحن مع السلم الأهلي والأمن في لبنان».
موقف «حماس» و«فتح» موحّد في هذا الإطار، وتتواصل لقاءات الجهتين «كي لا يدخل أحد على الخط». إذاً، ينتظر الفلسطينيون «رسائل ملموسة»، على رغم أنّ المسؤولين اللبنانيين طمأنوهم الى أنّ لا مسّ في وضعهم أو حقوقهم. ويرى البعض أنّ الإحتجاجات إذا استمرت، فبالتأكيد هدفها مختلف تماماً. وعلى رغم حرص جهات لبنانية عدة ومن بينها الحريري على الخصوصية الفلسطينية، يحرص رئيس الحكومة في المقابل على تطبيق القانون اللبناني، ويشجّع وزير العمل على إكمال عمله الذي يصبّ في مصلحة الدولة والعمال اللبنانيين.
وتنفي مصادر تيار «المستقبل» عبر «الجمهورية» ما يُتداول عن رغبة الحريري في الطلب من أبو سليمان التراجع عن خطته. وتقول: «الرئيس الحريري لم يقل أن يتراجع وزير العمل عن خطته، بل قال إنه يريد تحويل هذه الخطة إلى مجلس الوزراء». وتؤكّد أنّ «الخطة ستُستكمل مع النظر في وضع الفلسطينيين حسب القوانين». وتجزم أنه «من غير الوارد طلب الحريري من أبو سليمان التراجع عن تطبيق القانون أو خطته».
الحريري سبق أن استفسر من أبو سليمان عن خطته ويعلم تماماً أنها لا تستهدف الفلسطينيين وهذا سبب إضافي لدعمه، من خلال تحمّل الحكومة مسؤولية هذه الخطة. حتى أنّ كثيرين من العمال الفلسطينيين وجدوا في هذه الخطة حماية لهم، حسب ما يقول سياسي لبناني على تواصل مع اللاجئين الفلسطينيين، مشيراً إلى أنّ كثيرين في المقابل لم يفهموا الخطة ولم يجيدوا قراءة حجمها الصحيح.
الوضع المميز للفلسطينيين في لبنان أمر مفهوم بالنسبة إلى وزير العمل وإلى حزب «القوات اللبنانية»، الجهة التي يمثلها في الحكومة، لكن ما هو غير مفهوم، الإحتجاجات على «ما هو غير موجود».
وتؤكّد مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»، أنّ «الخطة مستمرة والوزير في وزارته هو رئيس حكومة»، موضحة أنّ «الرئيس الحريري عندما تكلّم على سحب الخطة إلى مجلس الوزراء تحدّث انطلاقاً من دعمه لأبو سليمان الذي سبق أن حوّل الخطة إلى المجلس بعد إعدادها». وتشدّد على أنّ «رئيس الحكومة مع الوزير والخطة، ويهدف إلى تأكيدها في مجلس الوزراء لا التراجع عنها».
تطبيق القانون يُشكّل مصلحة للفلسطينيين بالنسبة إلى «القوات»، وهي على تواصل مع جميع المعنيين بهذا الملف داخلياً وفلسطينياً، وبالنسبة إليها «لا يُمكن التراجع عن منطق تطبيق القانون، وهذا موضوع أساسي».
وتقول المصادر القواتية، إنّّ «أي مراجعة مرحب بها، كذلك التسهيلات قائمة، وهناك خصوصيات ونظر في بعض الأوضاع، والوزارة مفتوحة للتشاور مع جميع الناس، لكن لا يمكن الإستمرار في النهج السابق الذي يعيدنا إلى اللادولة والأمر الواقع والتسيّب وإلى لبنان الساحة. فهذا ما أوصل الدولة إلى ما وصلت إليه الآن».
وترى «القوات»، أنّ «هناك عملية تضليل للاجئين الفلسطينيين بهدف إستمرار الفوضى. ولا يُمكن إثارة هذه الضجة كلها بسبب ضبط مخالفتين». ولذلك، تعتبر أنّ «هذا التحريك سياسي وهدفه سياسي بإمتياز، وعنوانه الوحيد: يجب إبقاء الفوضى في الوضع الفلسطيني. لأنّ هناك خشية جدّية من أن ينسحب تنظيم الوضع الفلسطيني من خلال العمالة إلى ملفات أخرى تنتهي بالسلاح».
وتتمسّك «القوات» بمبدأ أنّ «لبنان دولة سيّدة على أرضها، لها الحق أن تطبّق أي قانون يخدم المصلحة السيادية العليا. وهذا حق سيادي للبنانيين في اتخاذ أي قرار». أمّا عدم تطبيق القانون فهو «أمر مرفوض» بالنسبة إلى «القوات» التي «لا تقبل وقف أي عمل تحت ضغط الإحتجاجات والتسليم بالأمر الواقع».