كتب أكرم حمدان في صحيفة “النداء”:
وأخيراً أقرت موازنة العام 2019 التي وُصفت بأنها الأكثر تقشفاً في تاريخ لبنان وبدأ التحضير والإستعداد لموازنة العام 2020 التي يُفترض أن تستكمل ما بدأته هذه الموازنة. وسُجل اعتراض 18 نائباً، فيما إمتنع عن التصويت عضو تكتل “لبنان القوي” النائب ميشال ضاهر خلافاً لموقف زملائه في التكتل الذين سُجل أيضاً غياب عدد منهم أثناء التصويت لا سيما النائب شامل روكز وآخرين، كذلك سُجل غياب النائب فيصل كرامي الذي كان من المعترضين على الموازنة والنائب فريد الخازن وغيرهم، ما يعني أن الإعتراض الفعلي تجاوز العشرين نائباً كما كانت توقعت “نداء الوطن” في أول أيام جلسة مناقشة الموازنة.
وقد شهدت الجلسة خلال مناقشة مواد القانون والإعتمادات سجالات وتوترات دفعت بالرئيس نبيه بري إلى رفعها لتهدئة الأمور بعدما غادرها رئيس الحكومة إمتعاضاً على ما كان يجري من إستهداف سياسي له حسب توصيفه في مناقشة موازنات مجلس الإنماء والإعمار وتخفيض إعتماداته 175 مليار ليرة وفق تعديلات لجنة المال والهيئة العليا للإغاثة وهيئة أوجيرو التي تم حذف 14 ملياراً من إعتماداتها مخصصة للرواتب.
وبعد إجتماعات التهدئة التي عقدت في مكتب بري مع الحريري وشارك فيها نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي والنائب إبراهيم كنعان والوزير علي حسن خليل، تمت تسوية الأمور بإعطاء الإنماء والإعمار75 ملياراً من الإعتمادات المخصصة لتمويل الحصة المحلية من القروض التي تنفذ أو سوف تنفذ، كما حُلت مسألة رواتب موظفي هيئة أوجيرو ومبلغ الـ14 ملياراً من مبلغ الـ25 ملياراً المخصص للألياف الضوئية والذي تأجل برنامجه إلى العام 2020 وأبقي على مبلغ الـ50 ملياراً المخصص للهيئة العليا للإغاثة.
وكان السجال الذي دار حول أوجيرو والبريد وغيرهما دفع بالحريري رداً على مداخلات عدد من النواب وسجال بين وزير الاتصالات محمد شقير والنائب ياسين جابر، إلى القول إن “التصويب السياسي على أوجيرو أمر مرفوض وكل الأحزاب والقوى السياسية الموجودة داخل هذه القاعة إستفادت من التوظيف في أوجيرو وإذا أردتم فليصوت مجلس النواب على قرار طرد 10 آلاف موظف في مختلف الوزارات والإدارات ولا يكون هناك ناس بسمنة وناس بزيت”.
وتضامن مع الرئيس الحريري في هذا الموقف كل من الوزير أكرم شهيب والرئيس نجيب ميقاتي الذي إنسحب من الجلسة مغرداً بعدها بالقول: “ظلم في السوية عدل في الرعية”، أما إستهداف مؤسسات بالتخفيض، دون سواها، كمجلس الإنماء والإعمار، الهيئة العليا للإغاثة وأوجيرو فدليل على إستهداف موصوف، طفح الكيل فإنسحبت من الجلسة ولا يجوز الإستمرار في معالجة الأمور على هذا النحو”.
وفسرت مصادر مقربة من ميقاتي لـ”نداء الوطن” هذا الموقف إعتراضاً على إستهداف رئاسة مجلس الوزراء غير المقبول وغير المبرر والذي جاء من أكثر من جهة في الوقت نفسه.
وكانت الجلسة التي شهدت عدداً من “المطبات” إستهلت بتلاوة الرئيس بري لكتاب إستقالة النائب نواف الموسوي وفقاً لنص المادة 17 من النظام الداخلي التي تعتبر أن إعلام المجلس بالإستقالة وتلاوتها أمام الهيئة العامة تُصبح نافذة، ثم تلا نص الإستقالة الوارد من الموسوي.
وسجل بري أكثر من مرة إنتقاده لمسار “الفوضى” داخل القاعة قائلاً: “بهذا الجو، وكأن الأمور لا تريد أن تنتهي”، وعلق المادة السابعة التي تتحدث عن الهبات والقروض لإيجاد مخرج لها كما علق المادة ستين المرتبطة بالرسم على الإستيراد لإيجاد المخرج والتسوية في نهاية النقاش.
وإذ بدا واضحاً التناقض بين وزير شؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي ورئيس لجنة المال إبراهيم كنعان حول هذه المادة وصيغتها، وقد كان المخرج بالعودة إلى النص الذي كان معتمداً في موازنة العام 2018 كما إقترح كل من الرئيس الحريري والوزير علي حسن خليل.
وبمعزل عن السجال غير المباشر بين النائب كنعان والوزير وائل أبو فاعور الذي قال إنه لا يجوز الدفع بالإصلاح بإتجاه تحميل طرف سياسي دون غيره، كما حصل في موضوع أوجيرو وأتمنى أن لا تكون هناك شبهة الإستهداف السياسي، فإن الرئيس بري سجل موقفاً عالي النبرة عندما لفتت النائب بولا يعقوبيان إلى أن هناك في الخارج من يطالب بحقوقه ومحاولة لإقتحام المجلس، قائلاً: “لا أحد يقتحم المجلس إلا إرادة الله، ولم يخلق بعد من سيقتحم المجلس، البلد يجب أن يقف عند حد لأننا كنا ذاهبين إلى الإفلاس، وتواصلت مع قيادة الجيش، والأمور مضبوطة”.
وكما جرى في المادة السابعة جرى أيضاً في المادة ستين التي كانت خلاصتها إقرار رسم مقطوع لمدة ثلاث سنوات على المستوردات بإستثناء المواد التي لا تخضع للضريبة على القيمة المضافة والبنزين والمواد الأولية التي تُستخدم في الصناعة على أن تُحدد في مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء.
وقد لوحظ أن النواب الصناعيين لعبوا دوراً ضاغطا مع وزير الصناعة وائل أبو فاعور لإدخال المواد والآلات الصناعية.
وجرى إقرار زيادة لموازنة وزارة الشؤون الاجتماعية بنقل مبلغ 38 مليار ليرة لهذه الغاية بعد إقتراح من وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان والنائب رولا الطبش.
وأقرت جميع أو غالبية المواد كما عدلتها لجنة المال والموازنة وخصوصاً المتعلقة بالموظفين والمتقاعدين وتم إستثناء أساتذة الجامعة اللبنانية من تخفيض منح التعليم على أن تُعالج باقي حقوقهم في إقتراح قانون لدى لجنة التربية. وتم إخضاع رواتب السلطات العامة لضريبة الدخل مع إلغاء المادة التي كانت تخفض نسب الرواتب للنواب السابقين.
ومن الإضافات التي أدخلتها الهيئة العامة تمديد سنتين مهلة رخص البناء التي لم يتمكن أصحابها من التنفيذ بناء على إقتراح من الطبش، وكذلك فرض ضريبة مقطوعة بقيمة 50 ألف ليرة سنوياً على كل 1 kva على أصحاب المولدات الخاصة شرط عدم إضافتها على المشتركين.
وشملت الموازنة جملة من الإعفاءات على غرامات التأخير على رسوم الميكانيك والبلديات وغيرها وحفظت حق الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية في الإلتحاق في إداراتهم بعدما جرت محاولة من النائب سيزار أبي خليل لتطيير هذا النص بحجة أنه مخالف للدستور والقانون الذي يقول بالحق لسنتين.