كتب شربل سلامه في صحيفة “الجمهورية”:
عندما يسمح الجهل بجعل التلفزيون إذاعة، تستمر البرامج التي يمكن سماعها من دون أيّ حاجة لمشاهدتها. وعندما تصبح شاشة التلفزيون شبيهة بصورة عادية، يصبح النظر اليها موازياً لعدمه.
إذا كانت لدينا صورة أو لوحة، لحبيب أو قريب أو عزيز أو صديق أو راحل، أو رمز مدني أم ديني، وكانت هذه الصورة أو هذه اللوحة معلَّقة على حائط في منزلنا أو مكتبنا، أو موضوعة في زاوية على طاولة أو درج أو مكتبة أو مكتب، هل نتسمَّر أمامها كلَّ يوم في الموعد ذاته لوقت طويل؟
كثيرة هي البرامج التلفزيونية التي جعلت الشاشة بعيدة عن نوعية الصورة وحركتها وجمالها ورسالتها. إنها البرامج التي لا تتغيّر ولا تتحرّك ولا تخرج من إطار ديكور بالكاد يتغيّر بين الموسم والآخر، وهي البرامج التي تُثَبِّت مقدميها على مقاعدهم، فينهض من مكانه من يُشاهد، لأنّ لا شيء للمشاهدة بل للسمع.
لقد استنسخت التلفزيونات في لبنان البرامج الإذاعية الناجحة وألصقتها على شاشتها، فأسقطتها بالخيبة لأنها لم تتجدد بالصورة، ولم تُعط الصورة للبرنامج الإذاعي أية قيمة إضافية. قد يكون مضمون البرنامج الكلامي مثيراً ومهماً ومفيداً وضرورياً، لكن هذا لا يعني أنّه أصبح تلفزيونياً بمجرّد أنه ظهر عبر الشاشة.
سقطت بعض برامج الشاشة الصغيرة اللبنانية في فخّ التكرار والجمود. برامج متناسخة يمكن أن نشاهدها يومياً في الموعد ذاته عبر كل الشاشات. مقدّم أو مقدمة برنامج مع ضيف أو ضيفين أو أكثر. تتغيّر الملابس أحياناً ولا يتغيّر الديكور. الجلسة ذاتها والمنظر الخلفي ذاته. إتصالات هاتفية متكررة، «خوشبوشيّة» مع المتصلين المتكررين، من أصواتهم يعرفونهم ويعلنون عن أسمائهم، أحياناً يسألونهم عن أولادهم وأقاربهم!!! لماذا يهتم التلفزيون ويكرِّس وقتاً لبرنامج إذاعي خالص ليس فيه سوى اتصالات هاتفية؟ لماذا أصبح التلفون بديلاً عن الصورة في التلفزيون؟
ضيف يتحدّث كثيراً ولمدّة طويلة ولا تواكبه صُوَر أو مَشاهد. حتى برامج الطبخ وإعداد المأكولات، بعضها لو سمعناه عبر الراديو لما لاحظنا أيّ فرق. برامج إذاعية أصبحت تلفزيونية بفِعل قلّة الإبتكار.
برامج يتحدّثون فيها عن شتّى المواضيع المختلفة من حيث درجة أهميتها، لكن كلها غير مدعومة بالصور، بينما نحن أمام شاشة يجب عليها ان تهتم بالصورة تماماً كما تهتم بالكلمة.
أي برنامج حواري طويل لا ترافقه ولا تدعمه صورة من خارج كاميرات الاستوديو، يصبح برنامجاً حوارياً إذاعياً، تكمن أهميته في ما يُقال فيه، لا في ما يُشاهد فيه.
هل كنّا لنجلس أمام التلفزيون لنستمع ونشاهد الأخبار، لو لم تكن النشرات الأخبارية مصوَّرة ومدعومة بالصور؟
مؤسفة تلك المحطات التي تكتب أنّ نشرتها الإخبارية المصورة يمكن متابعتها عبر هذه الإذاعة أو تلك، ولا تكتب أنّ النشرة يمكن الاستماع اليها عبر هذه الإذاعة أو تلك. انّ النشرة المتكاملة هي التي تقدّم الأخبار والمعلومات بصياغة تجعل الاستماع إليها موازياً لمشاهدتها. العكس ليس صحيحاً، فلا يمكننا أن نستمع إلى نشرة أخبار إذاعية كاملة منقولة من دون صورة عبر التلفزيون.
ما أن تخرج الكاميرا من روتين الاستوديو حتى تستقطب نسبة أكبر من المشاهدين، فالتلفزيون هو العين الإضافية التي يحتاجها الإنسان.
تعالوا نعدّد البرامج التلفزيونية التي يمكن أن نسمعها من دون أن نشاهدها، أو تلك التي تكمن إفادتها بأن نستمع اليها أكثر من أن نشاهدها.
لقد أثبتت الإذاعة أنها حاجة إعلامية سمعية للإنسان، فلا داعي أن يتعب التلفزيون في استقطاب البرامج الإذاعية الصرفة وجَمعها، كي يثبت أنّه هو أيضاً حاجة سمعية إضافية، في حين أنّ دوره سمعي بصري لا ينفصم.