كتب يوسف منصور في صحيفة “نداء الوطن”:
فتحت الأزمة السورية الباب على قضايا لبنانية كانت نائمة في أدراج إهمال وتناسي الدولة لها، حيث تركت منذ عقود بلدات وقرى متداخلة الجغرافيا مع الحدود السورية في الهرمل وعلى السلسلة الشرقية لمصيرها، حتى ظنّ أهلها أن الدولة اللبنانية لم تعد تعترف بهويتهم اللبنانية، وأصبحوا ضمن الملكية السورية من دون ترسيم حدود.
على مرّ ست سنوات من عمر الحرب السورية عانت تلك القرى والبلدات اللبنانية المآسي والتهجير، وأفرغت من سكانها بعد اجتياحها من “حزب الله” وجيش النظام السوري وتمركزهما فيها رغم أنها أرض لبنانية، ووقفت الدولة موقف المتفرج من دون أي مبادرة تطمئن أهل تلك البلدات وتقول لهم إن دولتكم إلى جانبكم.
المعاناة الأكبر عاشتها بلدة الطفيل اللبنانية، تلك الخاصرة على الحدود الشرقية والمتداخلة مع الأراضي السورية كالإصبع، وتبلغ مساحتها أكثر من 52 كيلومتراً مربعاً، وتقطنها عائلات لبنانية وسورية أيضاً تملك أراضي في البلدة مرهونة لأحد البنوك اللبنانية منذ أيام الآغاوات.
لم يشعر أهالي بلدة الطفيل يوماً أنهم من المواطنين اللبنانيين، فلا طريق تصلهم إلى الداخل اللبناني عبر حام وبريتال سوى واحدة وعرة تحتاج ساعات من السفر ممزوجة بالمشقات، أما اللهجة المحكية فهي سوريةٌ بامتياز نتيجة التعاطي طوال تلك السنوات مع أهالي القرى والبلدات السورية المجاورة، ناهيك عن شراء ما يحتاجون من مواد غذائية وغيرها من سوريا وبالعملة السورية، فلا يعرفون العملة اللبنانية إلا حين يريدون الإستحصال على إخراج قيد من دائرة النفوس، أما الكهرباء فلم تكن أفضل حالاً حيث تم استجرارها من سوريا على زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
كشفت الأزمة السورية النقاب عن فشل الدولة اللبنانية في تعاطيها مع مواطنيها القاطنين على الأطراف، وعندما وصلت الأزمة إلى القلمون بدأ أهالي بلدة الطفيل النزوح إلى عرسال وقرى البقاع الأوسط وبيروت، وتمركز فيها “حزب الله” والجيش السوري حتى السنة الماضية، ولم يدخل الجيش اللبناني إليها حتى خلال عودة مواطنيها بعد إنتهاء الأزمة، حيث اقتصر دوره على مواكبتهم حتى نقطة الحرف التي تبعد ثمانية كيلومترات عن البلدة، فيما أقام الأمن العام نقاط تفتيش وتصديق لمعاملات أهالي الطفيل، وكأنهم يعودون إلى بلدتهم السورية لا اللبنانية.
وخلال فترة الحرب السورية استباح البعض أراضي البلدة حيث حوّلها إلى معامل لإنتاج الكبتاغون، فيما عمل آخرون على سرقة حجارة قصر النمرود واستخراج أحجار الموازييك من أرضها، لتنقل تلك المعامل مع عودة أهاليها إلى منطقة يعفور السورية، حيث لم تدم طويلاً، ووفق مصادر فإن تلك المعامل أعيد تفكيكها منذ مدة ونقلت إلى لبنان مجدداً بعد طلب من الجيش السوري ذلك.
عاد ما يقارب الأربعة آلاف نسمة من أهالي بلدة الطفيل (لبنانيين وسوريين) ولا تزال الطريق التي وعد بتنفيذها والمقرّرة منذ سنوات طويلة قيد الإنجاز من دون مراقبة على أعمال التنفيذ، ووفق مصادر من البلدة، فإن الجيش السوري و”حزب الله” غير متواجدين أبداً فيها حالياً، غير أن قضية بيع أرضها ودفع الرهن لأحد البنوك واستردادها يثير مخاوف الأهالي، حيث سربت في الآونة الأخيرة معلومات تفيد أن أحد المتمولين السوريين والمدعوم من “حزب الله” بصدد دفع أموال مقابل فك تلك الرهنية، ما يدفع إلى السؤال عن مصير الأهالي وإلى من ستؤول ملكيتها فعلاً.
لا شبكة إتصالات خلوية إلى الآن في البلدة، ولا تزال على وعد وزير الإتصالات السابق جمال الجراح بوضع أعمدة إرسال لشبكتي الإتصالات الخلوية، أما الجيش اللبناني فلا مركز ثابتاً له في البلدة، بل يقتصر الأمر على دوريات كل يومين أو ثلاثة داخل شوارعها ثم يعود إلى مراكزه الأساسية فوق بلدة حام.
عودة بلدة الطفيل إلى حضن الدولة اللبنانية أو عودة الدولة إلى بلدة الطفيل، هي إشكالية لا تزال من دون حل، فوضع أهالي الطفيل على حاله وطريقهم إلى الداخل السوري لا يزال مفتوحاً ويتعاملون بالعملة السورية، فيما ينتظرون خدمات بلدهم الأم وعودة الأمن والأمان إليهم.