كتبت سناء الجاك في صحيفة “الشرق الأوسط”:
قليلة هي المدن والبلدات اللبنانية التي دخلت عصر الحداثة لجهة تسمية شوارعها وترقيمها. ويمكن القول إن ردة إلى الاتجاه المعاكس حصلت مع انخراط بعض البلديات في بازار التجاذب السياسي والطائفي. بالإضافة إلى الخلاف السياسي والثقافي بين اللبنانيين، إذ يعتبر بعضهم إطلاق أسماء شخصيات أجنبية على شوارعهم يشكل تبعية على حساب الحسّ الوطنيّ.
وقبل الخلافات والتجاذبات، كانت مشهدية شوارع لبنان تحفل بالطرائف والمفارقات، وكأنها موزاييك من المخزون الشعبي الذي يتغلب على ما ورد في الخرائط والسجلات الرسمية. وعلى سبيل المثال، شارع «ماري اده» في بيروت، مجهول من قبل سكانه، لأن أهاليهم وأجدادهم استبدلوا التسمية الرسمية بـ«شارع الموصللي» نسبة إلى تاجر زيت مشهور أعطى اسمه للمحلة.
والتسميات غالباً ما تنبع من تكريم شخصيات بعينها، كما هي الحال مع «شارع العميد مروان شربل»، الذي يطالع العابرين في بلدة الحازمية التي تقع إلى الجنوب الشرقي لبيروت، وفيه يسكن صاحب الاسم الذي كان وزيراً للداخلية منذ العام 2011 إلى العام 2013.
ويقول شربل لـ«الشرق الأوسط» إن «تسميات الشوارع في لبنان تتم باقتراح من المجلس البلدي ويصادق عليها وزير الداخلية، وقبل ذلك كانت تتم بمراسيم تصدر عن مجلس الوزراء». ويضيف: «تسمية شارع باسمي حيث أسكن في الحازمية جاء تقديراً للخدمات التي قدمتها للمنطقة منذ العام 1974، وكنت في حينها ضابطاً في بداية خدمتي. وخلال الحرب الأهلية، تعاونت مع جيراني من السكان والمسؤولين في المنطقة لتبقى الحازمية بمنأى عن الدمار. وساهمنا بعدم تعرضها حتى إلى أزمة نفايات كما كان يحصل في المناطق الأخرى».
ويشدد شربل على أنه لم يطلب تسمية شارع باسمه وفوجئ عندما فاتحه رئيس بلدية الحازمية بالأمر، ورفض ذلك، لكن بعدما أصبح وزيراً، ألحَّ رئيس البلدية وأرسل المعاملة على مكتبه، وألحق لقب «العميد» مقروناً بالتسمية، فوقعها شربل، مضيفاً أنه لا يحب لفت الأنظار، ويشير إلى أن رقم لوحة سيارته عادي، مع أن صلاحياته كانت تمكنه من أن يميزها برقم ثلاثي لافت.
وتحمل الشوارع في لبنان أسماء غريبة في بعض الأحيان، فمنطقة «سن الفيل» بحسب المراجع التاريخية تعود تسميتها إلى الأصول السريانية «شان دافيلا» ويعني «لون العاج» نظراً إلى تُربتها البيضاء. وهناك أيضاً منطقة «فرن الشباك» نسبة إلى مخبز شهير كان في المنطقة، و«الجميزة»، وهي نوع من الأشجار المعمرة التي أعطت الشارع اسمه.
وتبقى الغلبة في تسمية شوارع بيروت لمرحلة الانتداب الفرنسي على لبنان منها: «مونو» و«غورو» و«ويغان» والجنرال «ديغول» و«كليمنصو» و«فوش» و«اللمبي» و«سبيرز». ويشير شربل إلى «أن نصف شوارع بيروت تحمل أسماء جنرالات فرنسيين. وأشهرها شارع فردان الذي تغير اسمه إلى شارع رشيد كرامي لكن تسمية الجنرال الفرنسي لا تزال الغالبة».
إلا أن مرحلة ما بعد الاستقلال غلبت عليها أسماء شخصيات سياسية كـ«بولفار كميل شمعون» وجسر «فؤاد شهاب» ونفق «سليم سلام» وجادة «الرئيس إميل لحود» وشارع «بشارة الخوري».. فالعرف جرى على أن يحصل كل رئيس جمهورية على شارع باسمه.
لكن النكايات بدأت تدخل على التسميات بمعزل عن القوانين المرعية الإجراء، مع الانقسام بين «حزب الله» وخصومه، كما حصل عندما أطلقت بلدية الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت، قبل ثلاثة أعوام، شارعاً باسم القيادي في «حزب الله» مصطفى بدر الدين الذي قتل في دمشق، وهو أحد المتّهمين الرئيسيين من قبل المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ويشير شربل إلى أن «تسميات الشوارع يجب أن يوقعها وزير الداخلية، بالتالي فإن تسمية شارع باسم مصطفى بدر الدين غير قانونية طالما لم يصدق وزير الداخلية عليها. لذا اسم الشارع غير رسمي».
وأوضح أن «شوارع بيروت يفترض ألّا تحمل إلا أسماء شخصيات وطنية كبيرة لأنها العاصمة. لكن الأهم أن يتم تنظيم الشوارع من خلال اليافطات التي تساهم بإرشاد الناس إلى حيث يتوجهون. وبعد التسمية، يجب وضع خريطة جغرافية رسمية والمطلوب أن تحافظ البلدية على هذه اليافطات، التي تتحول إلى لوحات للملصقات أو تتعرض للتحطيم. والأهم أن تتم صيانتها وأن توضع إشارات السير بطريقة واضحة. وكل هذه الأمور غير متوفرة».