بدتْ بيروت أمس، في «استراحة مُحارِبٍ» عشية أسبوعٍ يفترض أن يَشْهَدَ ما يشبه عملية «كوماندوس» سياسية للإفراج عن الحكومة التي تحوّلت منذ أحداث عاليه (30 يونيو) «رهينةَ» الحسابات التي باتت تتحكّم بمسار معالجة هذا الملف.
ومع إقرار موازنة 2019 (الجمعة) في البرلمان بعدما «علا صوتُها» على مدى الأسابيع الماضية على سائر الملفات، تستعيدُ «حادثةَ البساتين» مَرْكَزِيَّتَها في المشهد الداخلي باعتبارها «القفل والمفتاح» في تحديد مصير الأزمة الحكومية التي يختزلها ظاهرياً عنوان إحالة الملف على المجلس العدلي، وفق ما يطالب به النائب طلال أرسلان، في حين أن جوهرَها يرتبطُ بـ«المسرح السياسي» لهذه الحادثة الذي يبدأ من الخلافات المُتراكِمة بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط و«التيار الوطني الحر»، ولا ينتهي بما يعتبره جنبلاط محاولةً للاقتصاص منه، بأمرِ عملياتٍ من النظام السوري وحلفائه.
وفي حين تُفْضي المقاربات «الواقعية» معطوفةً على معطياتٍ غير معلَنة إلى تَوَقُّع اختراقٍ في جدار المأزق يُنْهي تعطيل الحكومة بما يسمح بإعادة انتظام عمل المؤسسات و«استثمار» الإيجابيات التي شكّلها إقرار الموازنة التي قوبلتْ بترحيب من المجتمع الدولي (مجموعة الدعم للبنان) والبنك الدولي وإطلاق المسار التنفيذي لمقرَّرات مؤتمر «سيدر 1»، فإن الساعات المقبلة مرشّحة لحركة «غير عادية» لإحداث الكوة المطلوبة، بعدما أَخَذَ هذا الملف مداه من محاولاتِ «لي الأذرع» وتوجيه الرسائل، ومن شأن ترْكُه «باباً للريح» التسبُّب بأمريْن:
* الأول المزيد من الاستنزاف المالي والاقتصادي في لحظةٍ بالغة الحساسية، والإمعان في كشْف البلاد سياسياً في غمرة الغليان المتصاعد في المنطقة.
* والثاني أن المزيدَ من «التمتْرس» خلف إرسلان في اشتراطِ الإحالةِ على «العدلي» سيعزّز الخشيةَ من وجود أجندةٍ خارجيةٍ تسعى إلى إحكام الطوق حول جنبلاط، كما من حساباتِ ربْحٍ وخسارةٍ يأخذها في الحسبان «التيار الحر» وتحديداً رئيسه الوزير جبران باسيل الذي وقعتْ حادثة البساتين «في ملعب» خلافه مع «التقدمي» وإن كان «الصِدام الميداني» فيها كان بين مُرافِقي الوزير صالح الغريب (من حزب أرسلان وسقط منهم اثنان) وبين مُناصِري جنبلاط.
وتنطلقُ المحاولاتُ المتجدّدةُ لكسْرِ المأزقِ من المعادلة التي كانت آلتْ إليها «حربُ السقوفِ» على قاعدة أن لا جلسة للحكومة لا يكون مُدْرَجاً فيها مطلب الإحالة على «العدلي» (خيارٌ دَعَمَه «التيار الحر» و«حزب الله») في مقابل أن لا جلسة حكومية على جدول أعمالها هذا المطلب (موقف رئيس الحكومة سعد الحريري وجنبلاط)، وهي المعادلةُ التي أفضتْ الى اقتراحٍ بدا رئيس الجمهورية ميشال عون موافقاً عليه بإحالة الملف على المحكمة العسكرية على أن يستكمل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم جهوده لضمان تسليم أرسلان مطلوبين من فريقه والعمل على مصالحة بين مختلف الأطراف برعاية عون.
ورغم أن أرسلان رَفَض مَخْرج «العسكرية» وتسليم مطلوبين إلا على قاعدة أنهم شهود مع ضمانات مسبقة بعدم توقيف أي منهم مبدياً الإصرار على طرْح الإحالة على «العدلي» في مجلس الوزراء والتصويت عليه، فإنّ الساعات المقبلة ستكشف حقيقة المعلومات عن أن «حزب الله»، الذي يعتبر أنه «هزّ العصا» لجنبلاط، سيضمن «ممر انسحابٍ» لأرسلان يفكّ أسْر الحكومة، أو أن وراء هذا المناخ مناورة للبقاء في «المقعد الخلفي» تفادياً لاستفزازِ المزاج الدرزي العام الذي يعبّر عنه زعيم «التقدمي».
وإذ كان لافتاً ما كُشف عن تواصل عون مع اللواء إبراهيم في ما عَكَس محاولة دفْع نحو الإسراع بإيجاد المَخارِج، فإن معطياتٍ تتحدّث عن أن الحريري ما زال على ثباته برفْض إدراج مطلب المجلس العدلي على جدول أعمال مجلس الوزراء وتدخّل أي طرف في صلاحيته هذه، ساعياً الى فكّ الترابط بين معالجة ملف حادثة البساتين وبين جلسات الحكومة، الأمر الذي جعل أوساطاً سياسية تسأل: أي مسار يسبق الآخَر: بلوغ تسوية على قاعدة «المحكمة العسكرية الحل»، أو تحييد الحكومة عن هذا «اللغم»، أو المزيد من التعقيدات التي تأخذ البلاد إلى سيناريوهات أكثر قتامة؟