Site icon IMLebanon

“حزب سبعة”: حركة سياسية أم لعبة افتراضية؟

كتبت جنى جبّور في صحيفة “نداء الوطن”:

يقدّم “حزب سبعة نفسه على أنّه وُلد من رحم المجتمع المدني، وبناء على تصميم اعتمد من بعيد تشخيصاً دقيقاً لـ”أمراض” الحياة السياسية والحزبية. الظواهر التي أثارت فضول الناس عشية انتخابات العام الماضي، لتكون المفاجأة انتزاعه تمثيلاً نيابياً طالما أنّ بولا يعقوبيان جرى تقديمها كمرشحة عن هذا الحزب، ليحصل سريعاً الجفاء بين هذا الحزب وبين “ممثلته” في الندوة البرلمانية، وصولاً إلى الانفصال بينهما، فيعود الحزب مجدّداً ليتبرأ من يعقوبيان ويفقد ورقة التمثيل النيابي لا الحضور السياسي.

اختار الحزب رقم “V” علامة النصر شعاراً له يتناسب مع هوية طموحة وشابة للمنصة الجديدة. استخدم اللون البنفسجي كونه الوحيد الذي لم يحتكره أحد من الأحزاب اللبنانية. يتحدّث الحزب عن آلاف من المنتسبين اليه، فيما التشكيك بواقع وجوده كحزب سياسي له حيثية قائمة بذاته لم يفتر لدى شريحة واسعة من المتابعين.

يعطي “سبعة” دوراً مهماً للنساء، وبعد أن انتزعت بولا يعقوبيان الضوء لفترة، عادت الإعلامية غادة عيد لتتصدر الواجهة، وصولاً الى انتخابها حديثاً أمينة عامة جديدة للحزب. وفي الوقت نفسه، يواجه الحزب الفتي عملية تشكيك بواقع وجوده، واستفهامات حول مصادر تمويله ومربط الخيل فيه ومرجعيته الحقيقية، الّا أنه يحرص على تقديم نفسه كمؤسسة منظّمة، فيعلن مثلاً عن تأسيس “حكومة ظلّ” تكنوقراطية من 15 وزيراً افتراضياً من أصحاب الاختصاص، يراقبون عمل الوزراء الفعليين ويقترحون حلولاً ومشاريع بديلة، ويتواصلون مع الوزير الفعلي. كذلك يعطي منظمو “سبعة” أهمية كبرى لتكنولوجيات التواصل الحديثة في عملهم، انطلاقاً من مقرّهم الرئيسي في “بدارو”.

مشروع استعادة الأموال المنهوبة
بالنسبة الى التمويل، يشدّد المنتمون الى هذه التجربة الحزبية على أنهم من رافضي التمويل الخارجي والغامض، ويعتمدون على الأنشطة الحزبية واشتراكات الأعضاء، وينشرون بياناتهم المالية بشكل دوري وعلني، من دون ان يبدّد ذلك علامات الاستفهام حول هذه الظاهرة غير التقليدية في الحياة السياسية المحلية.

علاء حسين من طرابلس، انتسب الى “سبعة” وأصبح لاحقاً نائب رئيس الحزب في طرابلس. يقول إنّ هذا الحزب “هو الحل المنظم والبديل عن الطبقة الموجودة حالياً” ويراه الأقرب الى تطلعاته المدنية. يشتكي من كثرة الشعارات التي ترفعها القوى التقليدية، المستحيل تحقيقها. يشرح بأنّ “أولوياته محاربة الفساد بالطريقة المناسبة، وليس من خلال تخفيض رواتب الموظفين. يذكّر بأنّ “سبعة” طرح مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة من الـ 1975 حتّى اليوم، ونحن بانتظار التصويت عليه في مجلس النواب، ولكن للاسف لم نلقَ حتّى اليوم آذاناً صاغية في ما يخص هذا الموضوع”.

الشارع والضغط الدولي
يرمي “سبعة” كل الطبقة السياسية الحالية بالفساد. هي التي أوصلت لبنان الى ما هو عليه اليوم. “استعادة هذه الاموال المنهوبة” هي سبيله الوحيد للحد من الفساد.

فكيف يمكن أن ينال هذا المشروع، عدد الاصوات اللازمة من قِبل هذه الطبقة بالذات؟ وهل من خطة بديلة للحزب؟ يجيب علاء “نحن نعلم أنه من الصعب أن يوقّع النواب على مشروعنا، ولكننا نقوم بالضغط عليهم في الشارع أو حتّى دولياً من خلال الصحافة الاستقصائية والمحامين الذين يساعدوننا في هذا الملف بالتحديد. ونحن نأمل بالنجاح من دون تحديد أي مهلة له، فكم من الملفات ما زالت عالقة في أدراج مجلس النواب منذ سنوات طويلة؟

يرى البعض أنّ تمايز “سبعة” كان محقاً لو أنه لم يخض غمار المعارك الداخلية على خلفية تعيين أمينه العام، ولو أنه يبتعد قليلاً عن مواقفه الرفضية المستمرة دون تقديم البدائل المنطقية. في المقابل، لم يؤثر على الحزب غياب من يمثله في المجلس النيابي، بينما شكلت غادة عيد اضافة له، وبحسب علاء “لم نلمس أي تغير بعد ان اصبحت يعقوبيان نائبة مستقلة، فنحن سائرون بعملنا وبمعارضتنا للسلطة، ومستعدون للعمل معها في الملفات التي تشبهنا، ووصول عيد كأمينة عامة للحزب، اعطاه دفعة مهمة جدّاً خصوصاً انها صحافية استقصائية تحارب الفساد بعملها منذ وقت طويل”.

القضية السورية ليست اساسية
تتمثل قضية “سبعة” الاساسية، بتواجدها في كل المناطق اللبنانية قرب كل شخص يحمل مطلباً محقاً في جميع المجالات البيئية، الاجتماعية، والاقتصادية… وتبرز أحدث مشاركة له في التحركات الشعبية المطلبية ضد سد بسري، ومكب ابي سمرا، والضغط على مجلس النواب لاقرار قانون يحمي القاصرات من الزواج المبكر، ووقوفه الى جانب متقاعدي العسكر، وغيرها. ولكن لماذا نلاحظ غيابه عن المواضيع السياسية الراهنة في البلد؟ يجيب علاء “نحن نركّز على الامور الاجتماعية لانها قضيتنا الاساسية، وهمنا عيش المواطن بكرامته وحصوله على حقوقه، فلا أظن مثلاً أنّ قضية سلاح “حزب الله” ستؤمن سعادة الشعب أو لقمة عيشه، رغم أنّ “سبعة” لديه موقف سياسي واضح في هذا الموضوع، وهو حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني، وضد مشاركة “حزب الله” في سوريا، فنحن نحترم كل شهيد سقط في الاراضي اللبنانية دفاعاً عن لبنان، ولكننا نرى اننا بغنى عن تقديم شبابنا ليموتوا دفاعاً عن اراضٍ غير لبنانية، فالقضية السورية ليست قضيتنا الاساسية، كما أنّ الحرب السورية تحولت الى حرب اهلية واقليمية”.

تهمة غياب المشروع
من عالم السوشيل ميديا والمجتمع المدني، ولد الحزب البنفسجي ليصنف نفسه جسر عبور جديداً للبنان، وليخلق ثورة يقودها المواطن لانقاذ الوطن من الوضع الدراماتيكي الذي وصل اليه. في الشكل، يبدو هدف “سبعة” واعداً، أمّا في المضمون، وبعيداً من النظريات، فكيف يُطبق ذلك، وكيف يُفَسر الدمج بين حزب سياسي ومجتمع مدني في الوقت نفسه؟ يجيبنا المؤرخ والباحث السياسي ايلي الياس قائلاً إنّ “سبعة” ليس حزباً، ولا حتّى ظاهرة، بل جمعية صنعها التحول في توزيع أموال الـ “NGO’s” (المنظمات غير الحكومية) وحاجة المخابرات لضابط نفوذ. فعملياً، إنّ دمج حزب سياسي ومجتمع مدني تفليسة معرفية وسياسية. وصحيح أنّ تنظيمه غير طائفي الّا أنه لا يحمل أيضاً أي مشروع سياسي، بل يعيش على مخالفات الطبقة السياسية التي وضعها النظام السوري منذ الاحتلال حتّى الـ2005، وانتقلت السلطة اليوم الى “حزب الله”، واعتقد أنّه خدم دوره، وانّ انتشاره محصور لدواعٍ انتخابية”. وتابع حديثه مشيراً الى أنّ “الكلام في القضايا الاجتماعية يظهر الجهل في الامور السياسية، و”سبعة” يُعبر عما هو “مسموح به”، طالما القوى الحقيقية (المسيحية والسنية والدرزية) بحالة عجز لانعدام توازن القوى مع “حزب الله”. كما يفتقر الى شجاعة المواجهة، والمواضيع التي يطرحها او يهاجمها هي مخلفات الطبقة السياسية او المجموعة التي حكمت تحت الاحتلال السوري، فالفساد الذي نعاني منه اليوم هو تراكمات مدرسة اخذت مجدها مع السوريين”.

أجندة سياسية محددة
رغم أنّ “سبعة” وضع بمتناول الجميع امكانية الاطلاع على النظام الداخلي للحزب عبر الدخول الى موقعه الرسمي ومعرفة “من هم، وعن برنامجهم ونشاطاتهم، وعن الشفافية وامكانية المساهمة معهم، وقراءة الاجابات على الاسئلة التي قد تدور في اذهان الاشخاص”، الّا أنّ هذا الحزب ما زال يشكل جدلاً واسعاً لدى المواطنين الذين لم يقتنعوا بكلام ومواقف المسؤولين فيه. ويصف المدون السياسي محمد عوّاد حزب “سبعة” بالفاشل، “الذي يحاول احتواء الحالة الموجودة على أساس صنع بديل عن الأحزاب العادية، الّا أنّ أهدافه تصب في الخانة نفسها لأحزاب السلطة، ولكن بنكهة مختلفة”. وتابع “من هنا ارى انه من الافضل التعامل مع السلطة على علاّتها ووضوحيتها، بدل الوثوق باشخاص تغيب عنهم الطروح الجدّية. وفعلياً، إنّ مواقفهم غير واضحة عكس ما يقولون، فلاحظنا انهم يأخذون قراراً سياسياً يناسب حجم الحالات الاجتماعية الطارئة فقط لا غير، مع غياب الرؤية السياسية للامور ككل، ويبتعدون عن المواقف التي قد تصدمهم مع الآخرين، فيسيرون على الهوامش، ما يجعلهم من دون وجهة سياسية محددة وصريحة، وهذا ما يقلق البعض ويخيفهم. باختصار، هذا الدور غير الواضح، يجعلنا نتأكد أنّ خلف “سبعة” اجندة سياسية محددة، قد تهدف الى منع التطور السياسي والتغيير الحقيقي في البلد، دون ان يكون هدف الحزب الاصلي صنع التغيير نحو الافضل”.

مصادر التمويل
نشأ “سبعة” من الحراك المدني، لا سيما بعد الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في الـ 2015 بسبب ازمات بيئية – اقتصادية، الّا أنّ عدداً كبيراً من هذه الجماعة لم ينتسب الى هذا الحزب. ورأى ناشط في الحراك المدني أنّ “سبعة” حزب عصري مقتبس عن حزب علماني إسباني، وبشكل عام هو مقونن ومتماسك اكثر من فكرة المجموعات المتفككة وغير المنظمة، الّا أنّه لم ينتسب اليه نهائياً اي احد من “طلعة ريحتكم” مثلاً. وصحيح أنّ “سبعة” عمل على تقديم الحلول البديلة من خلال تشكيل “حكومة ظل”، الّا أنّ الامانة العامة السابقة لم تكن واضحة خصوصاً مع ضم بعض الوجوه المعروفة بالتطرف والطائفية، والخطأ الاكبر للحزب هو عدم كشفه عن مصادر تمويله. أمّا اليوم وبعد انتخاب غادة عيد لأمانة الحزب، فاعتقد أنّه اصبح واضح المعالم. ولكن في المقابل، إنّ الشعب اللبناني لا يثق بفكرة الاحزاب، وأنا شخصياً لا يهمني الانتساب اليه، لانني لا أحبذ فكرة الانصياع لقرار قد يفرضه علي احد، رغم دعمي لتحركاتهم وتوجهاتهم كأهداف وطنية ننشدها جميعاً”.