Site icon IMLebanon

جنبلاط: طوَّقوني… سأكمل ولو بقيتُ لوحدي

كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:

تذلل احالة حادثة قبر شمون الى المحكمة العسكرية الشق القضائي فيها في الظاهر، وتبرّد سجالاتها قليلاً، ولا توصد ابواب الحوار، من غير ان تعالج الشق السياسي الذي هو الاصل، المرتبط بالنزاع الدرزي – الدرزي واستعادة مجلس الوزراء اجتماعاته.

ليست مصادفة ان مشكلتين مختلفتين، في ظروف متفاوتة، بأبطال مغايرين، تخلصان ليس الى نتيجة واحدة فحسب، بل الى اخراج متناقض تماماً: اوشكت حادثة قبر شمون، وهي مشكلة نشأت سياسية وتحولت للتو نزاعاً دموياً كاد ان تتسبب في فتنة مزدوجة درزية – درزية ومدرزية – مسيحية، الا ان مجلس الوزراء نأى بنفسه عنها. عطلته وشلت اجتماعاته، واصر رئيس الحكومة سعد الحريري على معالجتها خارج المجلس. مشكلة اخرى قانونية في صلبها تحولت للتو ازمة امنية وانذرت مجدّداً بفتنة لبنانية – فلسطينية نجمت عن اجراءات اتخذها وزير العمل كميل ابوسليمان في نطاق تطبيقه قوانين لبنانية نافذة. بيد ان رئيس الحكومة سارع الى وضع يد مجلس الوزراء على معالجتها. كلتا المشكلتين – وإن بتفاوت – اعادتا الى الاذهان الطريقة اللبنانية في اشعال الحرائق وتعريض الاستقرار ليس للاهتزاز فحسب، بل للانهيار.

في مشكلة قبر شمون اكثر من مفارقة رافقت مراحلها، بعضها بات معتاداً كنزول مسلحين الى الشوارع واحراق إطارات وقطع طرق، وبعضها يقع في الحسبان دائماً هو تسعير التشنج المذهبي او الطائفي وبث الرعب، لكن البعض الثالث يتدرج كي يصبح سابقة مع انها ليست المرة الاولى يحدث، هو الامن بالتراضي. في حادثة الشويفات قبل اشهر هُرِّب احد المتهمين بجريمة قتل الى سوريا من طريق مرجعية سياسية تولت تهريبه، واعتبر الموضوع منتهياً عند هذا الحد الى حين أوان المصالحة الدرزية – الدرزية التي لا تزال متعذرة. في حادثة قبرشمون ثمة فريق سلّم عدداً من المتهمين باطلاق نار وابقى على آخرين قيد حمايته، فيما فريق آخر رفض تسليم متهميه وشهوده الذين يخفيهم جميعهم، وبعضهم ضالع بدوره في اطلاق النار في 30 حزيران. مع ان الاجهزة الامنية تعرف هؤلاء، لا تذهب الى اعتقالهم وتوقيفهم ما داموا يستظلون حصانة المرجعية التي تحميهم، في هذا الفريق او ذاك، مع ان حادثة قبر شمون افضت الى ضحيتين وثالث يرقد في حال حرجة، شأن ضحايا تسببت فيها حادثة الشويفات.

بذلك تضيف حادثة قبرشمون حجة اضافية لتكريس الامن بالتراضي، وتُحدث بدورها قضاء بالتراضي، حينما تصر المرجعيات السياسية على حماية مسلحيها، ترفض تسليمهم، وتملي على القضاء اي درجة من المحاكم يقتضي امامها ان تمثل الجريمة او لا تمثل.

مع ان ملف الحادثة هذه احيل البارحة الى المحكمة العسكرية للنظر فيه، الا ان من غير المؤكد ان الجانب القضائي في النزاع الدرزي – الدرزي يحل الجانب السياسي الذي يصعد في تشنجه الى حادثة الشويفات وانتخابات 2018. بالتأكيد لا مؤشرات واضحة بعد الى قرب المصالحة بين الطرفين، اضف ان نزاعهما مكنهما من الانتقال به الى مجلس الوزراء وتعطيل اجتماعاته، بعدما اضحى لكل منهما مؤيدون في وجهة نظره. لا يزال النائب طلال ارسلان يتمسك بالاحالة الى المجلس العدلي. برفضه هذا يجعل الاحالة الى المحكمة العسكرية غير ذات قيمة قضائياً، وترفع من وتيرة التصعيد السياسي، وقد لا يكون مؤكداً استرجاع مجلس الوزراء جلساته قريباً. ستكون المحكمة العسكرية امام متهمين ماثلين ومتهمين فارين.

حتى قبل اندلاع حادثة قبرشمون في 30 حزيران، كانت ثمة آمال بمصالحة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع ارسلان لطي صفحة حادثة الشويفات، من ان تتوافر حينذاك ادلة حسية على اكتمال هذا الهدف. بعض الاتصالات التي تولاها وسطاء بينهما حينذاك اصطدمت بعقبات كانت كفيلة بتعثر المصالحة، تحت وطأة الشروط المتبادلة واصرار كل منهما على الحل الذي يرضيه، على نحو مطابق لما يحدث الآن في معالجة حادثة قبرشمون. مع ان كليهما في حاجة ملحة الى المصالحة تلك. طلب ارسلان من جنبلاط التنازل عن الحق الشخصي في حادثة الشويفات، مع استعداده دفع ديّة ضحية الشويفات اذا اقتضى الامر، على ان لا يصير الى توقيف المتهم الرئيسي الفار امين السوقي «وإن ليوم واحد».

رفض جنبلاط المقايضة قبل ان يصير الى تسليم السوقي نفسه الى القضاء، من ثم يُنظر في اسقاط الحق الشخصي ويُعد للمصالحة الدرزية – الدرزية. مع تأكيده حينذاك انه لا يريد «دماً درزياً في الشارع». وصلت الفكرة الى رئيس الجمهورية ميشال عون بعدما حمل الوزيران اكرم شهيب ووائل بوفاعور اقتراح اسقاط الحق الشخصي المشروط، على ان يتولى القضاء التحقق من مسؤولية المتهم.

بوقوع حادثة قبر شمون على الاثر – على نحو بدا مكمّلاً للتشنج الدرزي – الدرزي كأنه ينتظر شرارة ما بين انصار الرجلين، قبل ان تضاعف في وطأته وتفجّره زيارة الوزير جبران باسيل لعاليه وتالياً المواقف التي ادلى بها وصولاً الى تذكيره باحداث 1840 والامير بشير الشهابي – تيقن جنبلاط من ان مسلسل التصعيد ماضي ضده. طوى صفحة المصالحة المحتملة في الشويفات مع كل الرسائل المتنقلة بينه وارسلان، وبات امام واقع جديد.

خلافاً لما فعل على ابواب حرب الجبل عام 1983، عندما اقرن التهديد الوجودي لطائفته من خصومها على ارضها بحمل السلاح، معولاً حينذاك على ظهيرين سوري وفلسطيني اتاحا له ان يرسم حدود امارته، استعاد اخيراً فكرة التهديد الوجودي لكن بلا سلاح مأذون به. قال وغرّد ولا يزال، انه تحت سقف القانون والقضاء، ويكتفي باحتجاج شارعه. لا يزال بعض المحيطين به يسمعونه يقول: «طوَّقوني». احياناً، بكفّيه، يرسم صورة الطوق من حول عنقه: «لكنني سأواجه. لو بقيت لوحدي سأكمل».

يصبح طبيعياً عندئذ ان الرجل، الذي اضحى بلا ظهير سوري وفلسطيني، وبلا ظهير سنّي موثوق به خصوصاً اعتاد عليه كما والده، لا يسع احدا ان يتركه وحيداً. لا الرئيس نبيه برّي، ولا الحريري ظاهراً في الغالب، بل ايضاً حزب الله. كذلك فحوى ما عاد به بوفاعور من زيارة الساعات القليلة للرياض قبل أسبوعين، ومقابلته مدير المخابرات السعودية خالد حميدان.