تقول دوائر سياسية لبنانية إن تمسّك رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان ومن خلفه حليفاه حزب الله والتيار الوطني الحر بإحالة المطلوبين في قضية قبرشمون إلى المجلس العدلي ورفض أيّ طروحات سياسية أو قضائية أخرى، تؤكد أنّ المسالة أبعد من إحلال العدالة إلى محاولة كسر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وإضعاف رئيس الحكومة سعد الحريري.
وبرزت عدة مقترحات لتسوية الحادثة التي وقعت في يونيو الماضي، وتسبّبت في شلل حكومي لا أفق حتى اللحظة لمعالجته، ومن بين المقترحات إحالة الملف إلى القضاء العسكري لينظر فيما إذا كان من صلاحيته التحقيق في الحادثة أو إحالته إلى جهة قضائية ثانية، بيد أنّ هذا الخيار يجابه بمعارضة من أرسلان.
واعتبر رئيس الحزب الديمقراطي الثلاثاء في تغريدة على “تويتر”، “أنه لا يمكن أن يكون تحقيق القضاء مرجعا للإحالة إلى المجلس العدلي”.
وأضاف أرسلان أن “قرار الإحالة للمجلس العدلي هو سياسي ويستند فقط إلى تقييم مجلس الوزراء لخطورة الجريمة، وما كان سينتج عنها من ضرب الاستقرار والتعايش والأمن الوطني”.
وأضاف حليف حزب الله أن “جريمة قبرشمون التي استهدفت وزيرا وموكبه ينطبق عليها كليّا توصيف المسّ بالأمن الوطني لو لم نضبط أنفسنا لمنع الحريق في الجبل ولبنان، وهي أكبر حجما وتأثيرا من الجريمة الفردية التي حصلت مع الزياديْن في المصيطبة والجريمة الفردية التي حصلت في بتدعي، وكلا الجريمتين أحيلتا فورا إلى المجلس العدلي بقرار من مجلس الوزراء ولم يشترط المجلس يومها تقييما من القضاء العسكري أو المدني”.
وتساءل أرسلان “لماذا هذا التحايل اليوم؟ إلا إذا أردتم أن تدفعوا بالدروز إلى لعبة الثأر وإغراق الجبل في فتنة دموية لا يعرف أحد نتائجها”، داعيا “الجميع إلى التعقّل ووضع الأمور في نطاقها الصحيح، والمتعارف عليه في مجلس الوزراء، مضيفاً أن “أيّ مناورة خارج إطار هذا الحلّ ستكون لها نتائج وخيمة داخل مجلس الوزراء وخارجه”، فيما بدا تهديدا مبطنا بأنه لا انعقاد لمجلس الوزراء في حال لم يتم الاستجابة لطلب إحالة الحادثة على المجلس العدلي الذي من مهامه النظر في قضايا كبرى تخص الأمن القومي. وتقول الدوائر السياسية إن تصريحات أرسلان التي بدا من خلالها واثقا مما يريده، تؤكد بما لا يدع للشك أنه مسنود بقوة من قبل حزب الله والتيار الوطني الحر، خاصة وأن الرجل لا يملك ثقلا حكوميا أو نيابيا يمكن أن يتكئ عليه.
وتشير الدوائر إلى أنه ورغم إظهار جنبلاط المعروف عنه مواقفه الانفعالية رغبة في التهدئة والتوصل إلى حل توافقي، بيد أن أرسلان وداعميه مصرون على الذهاب بعيدا في مسعاهم في ضربه معنويا وسياسيا، عبر التمسّك بخيار المجلس العدلي.
وتلفت تلك الدوائر إلى أن ما يحدث لا يستهدف فقط جنبلاط بل وأيضا رئيس الحكومة سعد الحريري، من خلال محاولة إظهاره وكأنه مجرّد موظف في حكومة حزب الله وحلفائه، وليس ذلك فقط بل هناك تعمّد للزج بالحريري كطرف في النزاع الدائر، رغم أنّ الأخير يسعى مع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى البحث عن مخارج تُرضي الطرفين.
وأكدت كتلة المستقبل في بيان لها الثلاثاء أن محاولة التصويب على الرئيس الحريري والتغريد على وتر زجه في النزاع القائم، أمر مؤسف وغير مقبول، ومن شأنه أن يحرف الأنظار عن الجهود الحقيقية التي تعمل على خط الحلّ.
وأضافت الكتلة “لقد مضى أكثر من عشرين يوما على الحادث، والبلاد ما زالت رهينة تداعياته السياسية والمواقف التي تدور في حلقات مفرغة حول جنس الحلول القضائية، وما يترتّب عليها من تعليق لعمل مجلس الوزراء والانصراف لمواجهة الاستحقاقات المتعددة”.
وحذّرت الكتلة من الاستغراق في التصعيد السياسي، مؤكدة أنّ المهلة التي أعطيت لابتكار الحلول والمخارج لا تحتمل مزيدا من التمديد والمراوحة في الدوائر نفسها، وان المسؤولية الوطنية والدستورية تقتضي مبادرة رئاسة مجلس الوزراء لحسم الأمر واتخاذ كل ما من شأنه تحريك عجلة العمل الحكومي.
وتعود حادثة قبرشمون إلى 30 يونيو الماضي، حينما اصطدم موكب لوزير المهجرين بمجموعة من الغاضبين من أنصار الحزب التقدمي الاشتراكي كانوا يحتجون على زيارة لباسيل لجبل لبنان، ما أدّى إلى اشتباك بين الطرفين سقط خلاله اثنان من مرافقي الغريب قتلى، وهما من عناصر الحزب الديمقراطي.
وكادت أن تفجّر الحادثة فتنة درزية درزية في الجبل، لكن تحركات رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نجحت في امتصاص فتيلها الأمني، بيد أن مفاعيلها السياسية لا تزال قائمة من خلال عرقلة حزب الله والتيار الوطني الحر جلسات مجلس الوزراء، إلى حين تسليم جنبلاط للمطلوبين وإحالتهم إلى المجلس العدلي.