IMLebanon

ليلى والذئب (بقلم بسام أبو زيد)

يخلط بعض “المفكرين” اللبنانيين بين مفهوم “الحرية” ومفهوم “الفوضى”، ويحاول هؤلاء أن ينقلوا ما يتمتعون به من فوضوية وعبثة ولامبالاة في حياتهم الخاصة إلى المجتمعات اللبنانية المريضة بالطائفية والمذهبية مستخدمين عناوين براقة تبدأ بحرية التعبير والرأي وتنتهي بالدولة المدنية أو العلمانية.

يعيش هؤلاء “المفكرون” عمليا خارج كوكب “دولة” لبنان فهم لا يدركون أن الطائفة والمذهب وكل ما يمت لهما بصلة أقوى من أي مدنية أو علمانية أو فكر أو ثقافة أو حتى علم، فكيف إذا ترافق ذلك مع إهانات تطال الرموز الدينية، فإهانة زعيم أو قائد كادت أن تشعل البلد مرات ومرات.

هذا الواقع يحتم على هؤلاء “المفكرين” أن يدركوا أن مهمة التغيير في لبنان صعبة إن لم تكن مستحيلة، وأن نظرتهم السوريالية للبلد لا تتوافق مع منطق التوترات السياسية والدينية، وأن السعي لبناء دولة عادية في لبنان تتمتع بأدنى المقومات هو محاولة فاشلة مستمرة منذ أن وجد لبنان الكبير حتى اليوم.

هؤلاء “المفكرون” يجب أن يدركوا أيضا أن في لبنان ثمة فعلا من يؤمنون إيمانا عميقا بعقائدهم الدينية ورموزها ويدفعون عنها بالسبل المتاحة، كما يؤمنون هم تماما بما ينادون به من نظريات وأفكار ويدافعون عنها أيضا.

لا يقبل هؤلاء المؤمنون بأن تهان عقائدهم ورموزهم الدينية وهم على حق، ولا يمكن لأحد أن يمنعهم عن ذلك أو يحول دون تعبيرهم عن استيائهم من هذه الإهانات، كما يحق لهم أن يعبروا عن رفضهم بالتظاهر والكتابات والخطابات وغيرها من وسائل التعبير السلمي التي يتيحها القانون والدستور والتي تبتعد عن التهديد والوعيد وصولا إلى القضاء.

إن دفاع هؤلاء المؤمنين عن عقيدتهم الدينية ورموزها لا يعني كما يحلو لهؤلاء “المفكرين” أن يصورهم بأنهم من المتخلفين الذين مازالوا يعيشون في القرون الوسطى، أو أنهم كدواعش العصر الحالي، فهل أصبح الاعتراض على إهانة من الجرائم الكبرى؟ وهل أصبحت المطالبة بالتراجع عنها تخلفا وتفكيرا ظلاميا؟

أيها “المفكرون”، ما يحق لكم يحق لغيركم، ولغة تخاطبكم مع الرأي العام في بعض الأحيان لا تختلف عن لغة بعض غلاة الدين والتعصب، فأنتم وهؤلاء في خانة واحدة، تحاولون ممارسة سياسة القمع والترهيب على قياسكم وكأن الخالق وضع في عقولكم فقط رجاحة التفكير وحسن الدراية وجعلكم من أصناف بشرية تعلو على أقرانها، حتى أن بعضكم قد يفكر باستنساخ نفسه على طريقة النعجة “دوللي” كي لا تذهب تلك “الثروة الفكرية” هباء فيصبح “مشروع ليلى” في خطر حقيقي في مواجهة ذئب المؤمنين.