تقود باريس جهودا دبلوماسية للتخفيف من حدّة التصعيد القائم بين واشنطن وطهران وتغليب منطق التفاوض على المواجهة التي تزيد مخاطرها مع الحوادث المتكررة لناقلات النفط في مضيق هرمز. وأرسلت المبعوث الرئاسي إيمانويل بون إلى طهران مرتين في أواخر حزيران الفائت ومطلع تموز من دون أن يخرق جدار الأزمة المتصاعدة في المنطقة منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
وتنطلق فرنسا في وساطتها من “وقف التصعيد” كمرحلة أوّلية تليها مباشرةً العودة إلى طاولة المفاوضات لأن ذهاب المواجهة إلى مراحل خطيرة سيُلقي بظلاله على العالم أجمع وليس فقط المنطقة. وبين هاتين المرحلتين تسعى باريس إلى إقناع إدارة الرئيس دونالد ترامب بوقف حربها الاقتصادية على طهران عبر تجميد العقوبات كخطوة أساسية لإنجاح المبادرة الفرنسية، وهو ما يصعب حدوثه أقلّه في الوقت الراهن لأنه يدخل في صلب السياسة الأميركية تجاه الجمهورية الإسلامية، في مقابل دفع إيران لوقف “انتهاكاتها” للاتفاق النووي والتراجع عمّا فعلته حتى اليوم لجهة زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب ووقف صناعة الصواريخ الباليستية.
وتتمسّك إيران التي أبقت على خط ساخن مع دول الاتحاد الاوروبي لإنقاذ الاتفاق النووي على رغم انسحاب أميركا منه، كما أن الأوروبيين أوجدوا آلية “انستيكس” لمساعدة الاقتصاد الإيراني على الاستمرار رغم العقوبات، بالدور الفرنسي للتوسّط مع الولايات المتحدة لتخفيف التوتر المتصاعد لاسيما وأن الرئيس إيمانويل ماكرون يُجري منذ فترة اتصالات متكررة بالرئيس الأميركي من جهة والرئيس الإيراني حسن روحاني من جهة أخرى كان بنتيجتها إرسال مبعوثه الخاص إلى طهران مرتين في أقل من شهر.
وفي السياق، تكشف أوساط دبلوماسية غربية لـ”المركزية” أن “إيران ترحّب بالوساطة الفرنسية وجهود الرئيس ماكرون “الإيجابية” التي إذا ما نجحت تُجنّب العالم تداعيات أزمة لا مصلحة لأي طرف في تفاقمها، وهو ما يظهر من خلال إعلان طرفي النزاع عدم رغبتهما في الذهاب إلى حرب مباشرة”.
ولفتت إلى أن “الرئيس ماكرون متفائل بما يقوم به وبالدور الذي تلعبه فرنسا لتلافي التصعيد وتبريد الأجواء في الخليج مع أنه يُدرك أنه يسير بين الألغام، وفي حال حصول تقدم في ما تقوم به بلاده، فإنه قد يتوّج نجاح الوساطة بزيارة رسمية إلى إيران في مبادرة منه لدفع الأمور أكثر”.
وأوضحت الأوساط الدبلوماسية أن “ماكرون المدعوم أوروبيا ودوليا ينتظر موقفا أميركيا إيجابيا يساعد فرنسا على دفع مبادرة الوساطة، يبدأ بمبادرة واشنطن إلى رفع الحظر عن الأرصدة الإيرانية المجمّدة في المصارف الأميركية المقدّرة بنحو 130 مليار دولار، علما أن إيران تطالب في هذا المجال كلاً من الولايات المتحدة والأوروبيين بإصدار موقف واضح بعودة شركاتهم العملاقة إلى إيران كـ”بيجو” الرائدة في مجال صناعة السيارات و”إيرباص” و”توتال”، أي عودة الصناعات الثقيلة إلى طهران بعد توقّف فرضته العقوبات نتيجة خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
وفي مقابل المطلوب أميركيا في مبادرة الوساطة الفرنسية، أشارت الأوساط إلى أن “الولايات المتحدة تعتبر أن موافقة إيران أقلّه على وقف صناعة الصواريخ الباليستية إشارة إيجابية واضحة تعكس “رغبة” طهران بفتح باب التفاوض مجددا وعودة الجانبين إلى الطاولة بوساطة فرنسية، وهذا إذا تم سيكون نقطة إيجابية تُسجل في رصيد الرئيس ماكرون”.