كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
يواصل رئيسا “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط والحزب “الديموقراطي اللبناني” طلال ارسلان، لعبة رفع السقوف، وإن اختلف موقع كل منهما. خرج “المير” من لقائه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري متمسكاً بمطلب الإحالة إلى المجلس العدلي محذراً من ترك “الناس تأخذ حقها بيدها”. أما “البيك”، فيحاول قدر المستطاع جرّ الجميع إلى خطّ “المساواة” الوسطي، فنبش حادثة الشويفات داعياً لضمّ القضيتين، عملاً بمبدأ “المساواة”، لا سيما وأنّ الجنبلاطيين يعتبرون أنّ حادثة قبرشمون ليست إلا رد فعل على الأولى.
هكذا، دلّت مواقف يوم أمس، على أنّ أزمة الشحّار الغربي تراوح مكانها، وأنّ الحكومة لا تزال في “عنق الزجاجة”، ولو أنّ مصادر الثامن من آذار تجزم في أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري يقوم بمجهود جدي لإعادة تفعيل العمل الحكومي نظراً للحاجة الماسة إلى التئام مجلس الوزراء وبتّ قضايا حياتية ومعيشية مهمة.
وتقول المعلومات إنّ الرئيس بري من المتحمسين لدعوة الحريري إلى عقد جلسة وفق أي ظرف، وهو يشجع رئيس الحكومة على القيام بهذه الخطوة خصوصاً وأنّ الأفق لا يزال مقفلاً.
وتصطدم جهود رئيس الحكومة بعقبات الرفض المتبادل من الفريقين المعنيين بالأزمة، وتحديداً “الاشتراكي” و”الديموقراطي” المتمسكين بمواقفهما، مع العلم أنّ مصادر الثامن من آذار تؤكد وجود أكثر من طرح تسووي تتمّ مناقشته بهدوء وبعيداً من الإعلام خشية حرقه. وتشير إلى أنّ المشاورات الحاصلة خلف الكواليس مغايرة كلياً للمواقف المعلنة، وهي تعبّر عن مساع حثيثة يتمّ طبخها بتروٍّ تمهيداً لإنضاجها على نار المبادرة التي يقودها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. ولهذا تقلل مصادر الثامن من آذار من أهمية ما يشاع عن تداخل عناصر إقليمية على الحلبة الحكومية، لتحميل أحداث الجبل أكثر مما تحتمل، مشيرة إلى أنّ تكبير حجر المواقف يستدعي مزيداً من الوقت كي تهدأ النفوس وتسمح للمعالجات السياسية كي تأخذ مداها، مؤكدة أنّ عناصر الخلاف، كما الحلّ، محلية بامتياز.
ولكن على الضفّة “الجنبلاطية”، ثمة كلام عن حقن دعم إقليمية يتلقاها “الحزب الديموقراطي” تهدف بشكل أساسي إلى محاصرة جنبلاط، ومن خلفه حكومة الحريري، غامزين من قناة غيوم المنطقة الآخذة في التلبّد.
أما بالنسبة إلى ضفة الثامن من آذار، فالمشهد يُختصر برفض طرفي النزاع تقديم أي تنازل. اذ أنّ “الديموقراطي” يعتبر وفق أوساطه، أنّ لا حلّ تفاهمياً إلا على قاعدة الإحالة إلى المجلس العدلي تحقيقاً للمادة 355 من قانون العقوبات التي تعتبر أنّ الجرم الذي يهدد السلم الأهلي تجب إحالته إلى المجلس العدلي، لافتة إلى أنّ ما حصل في قبرشمون هو تهديد صريح للسلم الأهلي، وإلا لماذا يطالب جنبلاط بالضمانات؟ وتنفي أن يكون نال “الاشتراكي” أي ضمانات، أو أن يكون أي فريق بصدد منحه أي ضمانات.
في المقابل، تشير مصادر الثامن من آذار إلى أنّ اصرار جنبلاط على تكبير حجر الأزمة، لا ينبع من خشيته مما ينتظره في “العدلي”، وإنما لرغبته في “استثمار” هذه الأزمة وإدخالها في بازار التعيينات الإدارية والأمنية المنتظرة، خصوصاً أنّ هناك همساً حول نية فريق الثامن من آذار تطويق جنبلاط من خلال سلة التعيينات المنتظرة.
وتلفت المصادر إلى أنّ ما يتم تداوله عن مخطط للإيقاع بـ “الحزب التقدمي الاشتراكي” في شرك “العدلي” تكراراً لتجربة “القوات” قبيل قرار حل الحزب، لا يمت إلى الواقع بصلة، خصوصاً وأنّ المشهدين مختلفان كلياً والظروف غير متشابهة أبداً، وبالتالي لا صحّة أبداً لهذا السيناريو.
وفي هذا السياق، تشير المصادر إلى أنّ “حزب الله” يرفض ممارسة أي ضغط على حلفائه، ولو أنّه حريص على وحدة الحكومة وديمومتها، لكنه، كما في كل مرة، يحاذر دفع حلفائه إلى أي موقف يرفضونه، خصوصاً وأنّ جنبلاط يحاول تصوير الجاني والضحية وكأنهما في الكفة ذاتها في المسؤولية، مع العلم أنّ مناصريه هم من افتعلوا الاشكال. وبالتالي لن يقوم “حزب الله” كما تؤكد مصادر قوى الثامن من آذار، بأي خطوة ضاغطة، وهو ملتزم بأي قرار يتخذه “الحزب الديموقراطي اللبناني”، سواء بالمطالبة بـ”العدلي” أو بالعدول عنه.
وتلفت المصادر إلى أنّ رئاسة الجمهورية وتكتل “لبنان القوي” يملكان ثلث الوزراء في الحكومة، وبالتالي يستطيعون أخذ مسار النقاش إلى حيث يريدون، ما يعني أنّ رئاسة الجمهورية بـ”المونة” التي لها على ارسلان، قادرة على تليين موقف “الحزب الديموقراطي اللبناني”، لو أرادت ذلك، مع العلم أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون كما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لا يزالان حتى اللحظة داعمين لموقف ارسلان.
في المقابل، فإنّ الصداقة التي تربط الرئيس بري بجنبلاط، تسمح بإيجاد خطوط مشتركة لإنهاء هذه الأزمة. ولهذا تؤكد مصادر قوى الثامن من آذار أنّ مفتاح الحلّ ثلاثي الأبعاد، يبدأ ببعبدا، ويمرّ بعين التينة وينتهي بالمختارة، مشيرة إلى أنّ أولى بوادر الحلحلة بدأت تلوح على جبهة “الحزب الديموقراطي” حيث يبدو أنّ تمايزاً في الآراء، استجدّ بين ارسلان والوزير صالح الغريب، من شأنه أن يفتح كوة في جدار المعالجة.
وعلى هذا الأساس، تقول المصادر إنّ جنبلاط يكابر في تصرفاته ويحاول “تسطيح” المشهد من خلال فرض حالة المساواة بينه وبين ارسلان، لجهة تحمل المسؤولية. وفي حال نجح في مسعاه، فـ”سيبيعها” عندئذ لرئيس الجمهورية من خلال اجراء المصالحة في قصر بعبدا.