كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:
تمرّ السنوات بسرعة، بين حبٍّ وزواجٍ وإنجاب، يكبر الأبناء والبنات دون أن ننتبه الى أننا نكبر نحن أيضاً. يذهبون غالباً، ويرحلون حيث نحتاج وجودَهم. ومحظوظٌ هو مَن يجد أولاده بالقرب منه في المراحل المتقدمة من العمر، إلّا أنّ هذه النسبة قليلة، أما الباقون، فيعيشون وحدةً وفراغاً ومللاً.
كنت حاضرة عندما كان مخايل وزوجته وردة يذكّران بعضهما بأيام الشباب، فقالت: «كان بدك نجيب صبيان تا يأمنولنا آخرتنا، كنت أنا قلك إنو البنات أحسن، لأن البنت عاطفية وبتضل تطل عا أهلا، ومين عم نشوف غير البنت؟ كان معي حق يا مخايل».
الأشخاص المتقدمون في السن هم الأكثر عرضة للشعور بالوحدة والعزلة الإجتماعية، ولذلك تأثيرٌ حتمي على صحتهم النفسية والجسدية. إلّا أنّ ذلك لا يعني استحالة مساعدتهم للتخلص من ذلك، حتى عندما يسكنون لوحدهم. فالآلاف من المسنّين في لبنان يعيشون وحدة وعزلة، خصوصاً مَن تزيد أعمارُهم عن الخمسة وسبعين عاماً، ومعظمهم ممّن أنجبوا وربوا وعلّموا وزوّجوا أبناءَهم، أو سفَّروهم، وأصبحوا في معظم الحالات لوحدهم.
الخطير في الوحدة هو ما يترافق معها من الشعور بالإهمال وعدم الإهتمام، حيث يتلهّى الأبناء بانشغالاتهم وعائلاتهم وينسون مَن أتى بهم إلى هذه الحياة، وأحبَّهم وتعب في تربيتهم، ورأى فيهم كل الأمل والفرح.
إلّا أنّ الشعور بالوحدة بسبب السفر أو انتقال الأبناء إلى بيتهم الزوجي، مقبول نسبياً، قياساً مع من يعيش مع أولاده في البيت نفسه، دون الإنتباه لوجوده أو حتى إلقاء التحية عليه لعدة أيام متتالية. وفي بلد لا قانون فيه لضمان الشيخوخة، يعاني المتقدم في السن من الخوف والقلق من الغد؛ مَن سيهتمّ به؟ مَن سيرعاه؟ هل سيتمكن من تأمين دوائه؟ ماذا عن حاجاته الأساسية؟
قد يمضي الشخص المسن فترة تزيد عن الشهر دون أن يكلّمَه صديق أو جار أو حتى فرد من العائلة. أسبابُ الوحدة والعزلة الإجتماعية كثيرة، فقد يكون التراجع الصحي، التوقف عن العمل والإنتاج، وفاة الشريك، أو العجز الكلي وعدم القدرة على التنقل.
ويترافق الشعور بالوحدة والعزلة مع الإحباط الذي قد يصل إلى الإكتئاب، مع أعراض الحزن والقلق وعدم الرغبة بالعيش، بالإضافة إلى اضطرابات النوم والشهية، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى عدم الراحة النفسية والجسدية.
وقد تتسبّب عزّة النفس لدى الشخص المسنّ بالوحدة، حيث لا يتنازل طالباً الإهتمام والمساعدة. يعيش معظم مَن تخطّوا سن الخامسة والسبعين بعيداً عن أولادهم، حيث يتلهّى الأولاد بمسؤوليات الحياة العائلية والإقتصادية، كيف لا والناس مضطرون في يومنا هذا للعمل في أكثر من مكان ليتمكّنوا من تأمين احتياجات العائلة، بالإضافة إلى العناية الخاصة التي يتطلّبها أطفال اليوم صحياً ودراسياً، ناهيك عن ضرورة إهتمام كلٍّ منا بالشريك؛ كل ذلك ينعكس ابتعاداً عن الأهل، قد يكون قسرياً أو إهمالاً عن سابق تصوّر وتصميم.
قد يعتب الشخص المسنّ على أولاده، ويترجم ذلك بتصرفات عدوانية، وكلام جارح، وذلك بسبب توقعاته الكثيرة من قبلهم، فيرتدّ سلباً على دينامية العلاقة المتبادلة، ويشعر الأبناء بالتقصير وبعذاب الضمير تجاه أهلهم، فيتجنّبونهم ويتهرّبون من اللقاء بهم.
كيف تلعبون دوراً إيجابياً في إطالة عمر المسنّ من خلال راحته النفسية؟
الإقامة والسكن:
من أفضل الشروط الحياتية للمسنّ هي أن يقيم بين أبنائه وأفراد عائلته، أما إذا لم يتوفر ذلك، فلا بد من أن يسكنَ الأبناء في منازل قريبة منه جغرافياً، ما يُشعره بالإطمئنان والأمان.
الزيارة
زيارة المسنّ مرتين في الأسبوع على الأقل ضرورية، ويجب إعطاؤه الوقت النوعي خلال الزيارة، كسؤاله عن صحته، تسليته من خلال إخباره بالأحداث الفرحة، اللعب معه، تذكيره بالماضي السعيد والجميل وليس بالأحداث المؤلمة.
أهميتهم
يفرح الشخص المسنّ عندما نُشعره بأنّ وجودَه بركة، وبأننا متمسّكون به، وبأنّ وجودَه نعمة تفرحنا، كذلك عندما نعطيه أهمية، فنستشيره بأمور حياتية بسيطة، كتغيير فرش المنزل، مدرسة الأبناء، والقول له إنّ «رأيه مهم جداً لنا».
الحياة الاجتماعية
تنظيم لقاءات عائلية واجتماعية تسمح للأهل بالتعرف إلى أصدقاء جدد، بالإضافة إلى جمعهم بالأقارب والأصدقاء، بين وقت وآخر.
التواصل
الإتصال بالمسنّ يومياً، والإطمئنان عليه، والأهم من ذلك السماع له، عبر الهاتف في حال عدم القدرة على زيارته ورؤيته وجهاً لوجه.
الأمان
بالإضافة إلى تأمين الأمان الشخصي للمسنّ، نستطيع أن نعطيه الشعور بالثقة والأمان من خلال إعطائه مبلغاً مالياً محدّداً ولو صغيراً. يُختصر مشوار الحياة بالنسبة للشخص المسنّ بمدى راحته ورضاه، وكل ذلك متعلق بشكل مباشر بالبيئة التي تهتم به وتحتضنه، فكرِّموا كباركم اليوم لأنّ في يدكم أن تطيلوا أعمارهم.