كتب عبد الكافي الصمد في صحيفة “الأخبار”:
لم تكن الجلسة الثالثة لانتخاب رئيس جديد لبلدية طرابلس ثابتة، إذ طارت الجلسة بسبب عدم اكتمال النصاب، بعدما فشلت المساعي التي بذلت، منذ الجلسة السابقة التي عقدت يوم الجمعة الماضي في 19 تموز الجاري، في تقريب وجهات النظر بين الكتلتين الرئيسيتين داخل البلدية من أجل تأمين النصاب، وبالتالي انتخاب رئيس.
الرئيس نجيب ميقاتي كان أحد الذين قاموا بهذه المساعي، وهو استقبل لهذه الغاية أول من أمس أعضاء البلدية على دفعات، غير أن ذلك لم يُحرّك المياه الراكدة، إذ بقي كل فريق على موقفه، برغم أن ميقاتي أبلغ الأعضاء، حسب ما نقل بعضهم عنه، أنه «لا مشكلة لي أبداً مع أحد من الأعضاء، وأعتبر أن الكلّ يمثلني، ولا أريد الدخول في معركة مع أي طرف».
غير أن مقربين من ميقاتي أوضحوا لـ»الأخبار» أن «جميع أعضاء البلدية الـ 23 الذين التقاهم، أكدوا له حرصهم على انتخاب رئيس جديد، وأنهم يرفضون الوصول إلى حلّ المجلس البلدي ووضعه في عهدة محافظ الشمال رمزي نهرا».
المقربون من ميقاتي يفضّلون عدم تسلّم عضو محسوب عليه رئاسة البلدية في النصف الثاني من الولاية، وخصوصاً أن «الولاية الثانية ستنتهي مع استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة، وأن عبء البلدية كبير واحتمالات الفشل المرجّحة أكثر من احتمالات النجاح، تجعلنا نفضّل عدم تسلّم مقرّب منّا رئاسة البلدية، كما أن يكون الرئيس خصماً لنا».
ولفتت المصادر إلى أنه انطلاقاً من هذه الحسابات، أبلغ ميقاتي عضو البلدية عزام عويضة، وهو أحد أبرز المرشّحين المقرّبين منه لخلافة رئيس البلدية السابق أحمد قمر الدين الذي سقط في جلسة طرح الثقة به في 16 تموز الجاري، أنه «لن يدعم ترشيحه بعدما لم يستطع تأمين النصاب في تلك الجلسة، وأنه يفضل عدم خوض معركة خاسرة، كما حصل في الجلسة الثانية التي عقدت في 19 تموز الجاري التي لم يتأمن فيها التصاب. وأثار ذلك استياء عويضة، ما جعله يهدد باستقالته من البلدية، لكن مساعي بذلت لترطيب الأجواء بينه وبين ميقاتي أسهمت بتراجعه عن موقفه».
لكن لم تكن هذه الأسباب وحدها الدّافع وراء تراجع ميقاتي، إذ أظهرت الجلسات الثلاث التي عقدت لانتخاب رئيس للبلدية أن الكتلة المحسوبة على الرئيسين ميقاتي وسعد الحريري لا تملك أكثرية تمكّنها من تأمين النصاب وانتخاب رئيس جديد، وهو ما كشفته الجلسة الثانية التي لم يحضرها سوى 10 أعضاء من أصل 23. كذلك كان مصير الجلستين الأولى، والثالثة التي عقدت أمس، إذ حضر فقط أعضاء مجموعة الـ 11 المعارضة لرئيس البلدية السابق أحمد قمر الدين، التي لا يمون عليها ميقاتي والحريري سياسياً، وهي لم تستطع أيضاً في الجلستين تأمين انتخاب مرشحها رياض يمق رئيساً للبلدية.
يروّج أحمد الحريري لخيار تسليم الرئاسة للأكبر سناً من الأعضاء، أي قمر الدين!
وإذا كان مصير الجلسات الثلاث مشابهاً لجهة عدم اكتمال النصاب، فإن ما كان لافتاً أن المحافظ نهرا لم يحدد موعد الجلسة الرابعة المقبلة، وما أثار تساؤلات عن الفراغ الذي سيستمر في موقع رئاسة البلدية، وتأثيره على عمل المجلس البلدي في مدينة مثقلة بالمشاكل.
من هذه التساؤلات، هل أن خطوة المحافظ تأتي بناءً على رغبة أغلبية أعضاء البلدية وحاجتهم إلى متسع من الوقت من أجل النقاش والحوار بينهم، والتوصّل إلى صيغة مشتركة للحل، أم بهدف إنضاج تسوية ما تعمل قوى سياسية على طبخها، تتلخص في أحد احتمالين: الأول تكليف وزارة الداخلية العضو الأكبر سنّاً إدارة شؤون البلدية مؤقتاً، إلى حين انتخاب رئيس جديد، وهذا العضو للمفارقة هو رئيس البلدية السابق أحمد قمر الدين الذي سقط في جلسة طرح الثقة به، ما يعيد الأزمة إلى مربعها الأول. ويشاع أن هذا الاحتمال يُروّج له ويعمل عليه الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، برغم اعتراضات سياسية وقانونية وبلدية عليه؛ أما الاحتمال الثاني فهو إنهاك البلدية وفرطها تمهيداً لوضعها في عهدة المحافظ، إلى حين إجراء انتخابات بلدية جديدة لا تبدو واردة في الأفق القريب.