كتب أكرم حمدان في صحيفة “نداء الوطن”:
بينما ينتظر اللبنانيون ومعهم بعض القوى السياسية توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون على قانون الموازنة ونشره، وبعد اعتراضات من “التيار الوطني الحر” ورئيسه الوزير جبران باسيل حول المادة التي تحفظ حقوق الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية، وبيان رئاسة الجمهورية حول اللغط الذي يحيط بشأن إقرار المادة 80 من قانون الموازنة، رد الرئيس عون إلى مجلس النواب أمس قانونين كان المجلس أقرهما في 27 حزيران الماضي، الأول يرمي إلى إعفاء أولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني والحائزين على إقامات مجاملة من الإستحصال على إجازة عمل، والثاني يرمي إلى مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
وذكر في أسباب الرد للقانون الأول مجموعة نقاط، أبرزها أن المساواة في الحقوق بين جميع المواطنين تفترض المساواة بين أولاد اللبنانيات، بحيث لا يمكن ربط الحق بالعمل وإجازته بحيازة إقامات المجاملة الخاضعة أساساً لسلطة الإدارة الاستنسابية، كما أن هذا القانون يكتنفه الغموض المبطل للنصوص حول ما إذا كانت إجازة العمل الحكمية المنصوص عنها فيه (أي باعتبار إقامة المجاملة بحد ذاتها إجازة عمل)، تشمل كل ميادين العمل، بما في ذلك المهن المنظمة بقوانين تشترط لممارستها حيازة الجنسية اللبنانية، بما يعني تعديلاً ضمنيا لتلك القوانين لهذه الجهة، كما أن سن الخامسة عشرة تتعارض كليا مع المعايير الدولية للعمل، وهذا القانون يعالج جزءاً من مشكلة حقوق أولاد اللبنانية والتي تتطلب معالجة شاملة ما زالت موضع مقاربات مختلفة، لا سيما في مجلس النواب ولجانه المختصة.
وفي أسباب رد قانون مكافحة الفساد رأى أنه يجب أن يُدرج في سياق “الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد” التي لم تقر بعد، وأن ثمة إتفاقيات يجدر بلبنان الإنضمام إليها أو إبرامها كي تكتمل العدة القانونية بالمفهوم الدولي لمكافحة الفساد، كاتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية “OCDE” لمكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية (23 أيار 1997)، كذلك فقد حجب القانون، في مادته السادسة، عضوية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عن الأعضاء الحاليين والسابقين في الأحزاب اللبنانية ومن دون تمييز واضح بين الأعضاء في مجالس إدارة الأحزاب والأعضاء المنتسبين إلى الأحزاب، كما يكتنف عدم الوضوح عبارة “منصب سياسي”، فضلاً عن أنه ناط بهيئة ناخبة من 800 قاض أصيل تقريباً من القضاء العدلي والإداري والمالي إنتخاب قاضيين متقاعدين، ما يجعل من جمع هذه الهيئة بعديدها أمراً متعذراً، كما أعطى مجلس الوزراء في البند “د” من المادة 12 منه، صلاحية وقف عمل الهيئة عند الإخلال الفادح بموجباتها، ما يفتح باب الإستنساب السياسي واسعاً على استمرارية عمل الهيئة وضماناتها.
وفي أول تعليق على رد القانون الأول الذي كانت تقدمت به “كتلة الوسط المستقل” برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، غرد الرئيس ميقاتي عبر ” تويتر” قائلا: “نحترم قرار رئيس الجمهورية بإعادة القانون الذي تقدمت به “كتلة الوسط المستقل” وصوت عليه مجلس النواب لإعفاء أولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني والحائزين على إقامات مجاملة من الإستحصال على إجازة عمل، وننتظر الأسباب التي أوردها فخامته، آملين أن تكون لمصلحة المرأة اللبنانية”.
وبعيداً من النقاش السياسي فإن رئيس الجمهورية استخدم حقه الدستوري وفقاً لنص المادة 57، التي تعطي لرئيس الجمهورية حقّ طلب إعادة النظر في القانون (المُحال إليه للنشر) مرة واحدة ضمن المهلة المحدَّدة لإصداره، وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حل من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة ثانية وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس، أي 65 نائباً. وفي حال إنقضاء المهلة من دون إصدار القانون أو إعادته (الى المجلس)، يُعتبر القانون نافذاً ووجب نشره.
وهذا يعني أن الكلمة الفصل تعود إلى مجلس النواب لجهة الإستجابة لطلب الرئيس وإعادة النظر بالقانون أو بالإصرار عليه كما أحاله إلى الرئيس قبل الإعادة.
وفي هذه الحالة ستنتظر إعادة البحث بهذين القانونين إنعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب لوضعهما على جدول الأعمال وإعادة البحث بهما إنطلاقاً من أسباب الرد التي وردت من رئيس الجمهورية.
وحسب التجارب السابقة فإن مجلس النواب لا يصطدم عادة مع رئيس الجمهورية إلا إذا كانت الغالبية ضد الرئيس كما حصل في بعض القوانين أيام الرئيس السابق إميل لحود. كما أن الحيثيات وأسباب الرد التي وردت خصوصاً في قانون مكافحة الفساد، كان حاول وزير شؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي إقناع مجلس النواب بها أثناء مناقشة وإقرار القانون ولكنه لم يُفلح وخصوصاً موضوع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.
وهذا القانون كان مر بمراحل متعددة في اللجان النيابية وأشبع درساً وتمحيصاً منذ تقدم به النائب الراحل روبير غانم في أواخر العام 2007 تحت عنوان “مكافحة الفساد في القطاع العام” ودرس في لجنة الإدارة والعدل التي كان يرأسها غانم نفسه وأحيل إلى الهيئة العامة عامي 2009 و2010، ثم أسترد ريثما تشكل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وبعد أن وقع لبنان مع الأمم المتحدة إتفاقية مكافحة الفساد، أعيد البحث في الإقتراح مجدداً وشكلت له لجنة فرعية من لجنة الإدارة والعدل برئاسة النائب غسان مخيبر وعضوية النائبين الدكتورعماد الحوت وإيلي كيروز، وعقدت هذه اللجنة المصغرة 35 جلسة للبحث ليعود ويولد من جديد من قبل اللجنة الأم العام 2017، ثم أحيل إلى لجنة المال التي درسته وأقرته إنطلاقاً من صيغة لجنة الإدارة بتاريخ 19/12/2018.
واعتبر رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان أنه مع اقرار هذا القانون “تكتمل المنظومة التشريعية لمكافحة الفساد في القطاع العام، بحيث تصبح هذه القوانين نافذة بآلياتها ومراحلها، وتناط بالهيئة الوطنية الصلاحيات والمهام كافة لتحريك الضابطة العدلية والقضاء والتحقيقات والإجراءات الإحترازية، رفع السرّية المصرفية والحصانات عن الجميع من رؤساء ووزراء ونواب وضباط واداريين “.
وهنا لا بد من التساؤل، هل أصبحت هناك محاور لدى فريق الرئيس عون، بالأمس إعتراض على نص أقر بإجماع لجنة المال التي يرأسها أحد أبرز نواب “التيار الوطني الحر” واليوم رد لقانون كان هو نفسه عرابه في مجلس النواب؟