Site icon IMLebanon

التوريث السياسي يطرق أبواب رئاسة الجمهورية

كتب يوسف دياب في صحيفة الشرق الأوسط

لم يعد تداول السلطة علامة فارقة التي تميّز لبنان، بقدر ما بات مستنسخاً عن بلدان أخرى، بعدما أرسى زعماؤه ثقافة التوريث السياسي، وبات كلّ منهم يهيئ الأرضية لتوريث نجله أو زوجته أو أحد المقرّبين منه، وهذا ما بدأ يثير غضب بعض الفئات حيال عجز المجتمع اللبناني عن إنتاج نخب جديدة قادرة على قيادة البلاد.

اعتادت الزعامات السياسية تاريخياً توريث أبنائها أو أحد أقاربها رئاسة الأحزاب التي تتولى قيادتها، أو المناصب النيابية والوزارية التي تشغلها، لكنّ التطوّر الجديد يكمن فيما يحكى عن توريث في رئاسة الجمهورية، وهذا ما يستشفّ بقوة من تحركات وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يتهمه خصومه بالسعي لخلافة والد زوجته العماد ميشال عون في الرئاسة الأولى، وهذا ما جاهر به عون في مستهلّ السنة الثانية من عهده، عندما سئل عمّا إذا كانت لديه رغبة بتمديد ولايته، فأجاب: «أنا لا أسعى أبدا إلى التمديد، إنما أسعى إلى وراثة سياسية جيدة»، واستتبع عون هذا الكلام بموقف أشدّ وضوحاً عندما أعلن أن «باسيل يتعرّض لحملة سياسية لأنه يتصدّر السباق إلى رئاسة الجمهورية».

وثمة أسباب جوهرية تحول دون خروج لبنان من دوامة التوريث، إذ أشار الوزير السابق رشيد درباس إلى أن «معظم الأحزاب اللبنانية نشأت على طروحات وشعارات تحديثية كانت أكبر من إمكاناتها، وسرعان ما اصطدمت طموحاتها بالواقع، فغرقت بين الإفراط في التوقّعات وصعوبة التطبيق، ما جعل الجميع يرتدّون إلى مناطقهم وطوائفهم وعائلاتهم». وأكد درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل المناطق بات لها إقطاعيون سياسيون، وكذلك الطوائف باتت لها مرجعياتها، فأصبحت هي من تنتج القيادات». وقال: «يكفي الزعيم أن يكون له ولدٌ فيرث زعامته، رغم أن الزعامات السابقة كانت أكثر وعياً وخبرة وفهماً لواقع لبنان».

ولا تزال ظاهرة التوريث سمة العائلات السياسية اللبنانية، فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورّث الزعامة لنجله تيمور بعد أن ورثها عن والده كمال جنبلاط، وسعد الحريري ورث الزعامة السنية عن والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري بعد اغتيال الأخير في عام 2005، والرئيس السابق أمين الجميل ورّث رئاسة حزب «الكتائب» لنجله النائب سامي الجميل بعد أن ورثها عن والده بيار الجميل وشقيقه الرئيس الراحل بشير الجميل، أما النائب ميشال معوض فورث الموقع السياسي عن والده الرئيس الراحل رينيه معوّض ووالدته نايلة معوض، كذلك ورث النائب طوني فرنجية المقعد النيابي عن والده سليمان فرنجية، وهذا الحال ينسحب على عائلات لبنانية متعددة، مثل كرامي، وأرسلان، وسعد، والبزري، وسكاف، والمرعبي، وغيرها.

وعزا درباس التوريث القائم إلى «غياب الأحزاب التحديثية، وهو ما جعل الأحزاب القائمة ذات طابع ديني وطائفي ومذهبي»، مشيراً إلى أن «(حزب الله) بما يملك من قدرة سياسية وعسكرية ومالية هائلة، أصبح صاحب بيئة طائفية بحتة»، مؤكداً أنه «في ظلّ الظروف الحالية لا أمل في التطوير والإقلاع عن التوريث إلا إذا حسم الصراع الإقليمي إذ قد نشهد إنتاج قيادات تغيّر الوضع القائم حالياً». وعن سابقة محاولة توريث الرئيس عون لصهره الوزير جبران باسيل، أجاب درباس: «لا أظنّ أن الرئيس عون يفعلها، وإذا قبل عون بذلك فإن الشعب اللبناني لن يقبل».

الإمعان في التوريث السياسي بات موضع تذمّر كثير من الشخصيات السياسية، فقد أدان لقاء «البيت اللبناني» «محاولات تحويل لبنان إلى جمهورية وراثية أو توريثية، وترسيخ ثقافة التوريث السياسي». معتبراً أن الوراثة السياسية هي أحد أبرز معالم الفساد ومسبباته في النظام السياسي. وذكّر «البيت اللبناني» في بيان، بأن «لبنان دولة ديمقراطية وليس أملاكاً شخصية أو عائلية ليتم توريثها إلى الأقرباء والأبناء والبنات والزوجات».

من جهته، رأى السياسي اللبناني توفيق الهندي، أن «التوريث السياسي في لبنان آفة قديمة هي نتاج البنية السياسية للمجتمع اللبناني». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لم يسبق لرئيس جمهورية أن ورّث ابنه، حتى أهم الرؤساء الذين مرّوا بتاريخ لبنان، بدءاً من بشارة الخوري وفؤاد شهاب وكميل شمعون وسليمان فرنجية، لم يفعلوها، لكن يمكن القول إن الرئيس أمين الجميل ورث شقيقه بشير الجميل بعد اغتيال الأخير في شهر سبتمبر (أيلول) 1982».

وللمرّة الأولى فتحت في لبنان معركة الانتخابات الرئاسية، في الثلث الأول من ولاية الرئيس ميشال عون، وكشف الهندي أن «هناك مساعي حثيثة لتوريث الوزير جبران باسيل رئاسة الجمهورية من الرئيس ميشال عون». وقال: «الظاهرة الجديدة مع جبران باسيل، أنه يسعى لوراثة رئيس لا يزال على قيد الحياة، ولا يزال في النصف الأول من ولايته الرئاسية»، معتبراً أن «الخطورة تكمن في أن (حزب الله) هو من يستعجل هذا التوريث لأسباب عدة، أهمها أن يحافظ على قوة التنظيم المسيحي الحليف له (التيار الوطني الحرّ)، لأنه إن لم يأت جبران باسيل رئيساً فإن هذا التيار سيضمر ويتراجع دوره بعد الرئيس عون».

ويرى الهندي أن «ثمة أمرين سيحكمان تسريع التوريث الرئاسي: الأول ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة مع البرلمان الحالي الذي يملك (حزب الله) الأكثرية فيه، وهذا ما قد يضطر عون إلى الاستقالة قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي، لتهيئة الأرضية لانتخاب باسيل، والثاني تحسب الحزب لتطورات خطيرة على مستوى المنطقة قد يصبح فيها ضعيفاً، وتؤدي إلى تغيير في موازين القوى».