Site icon IMLebanon

الحريري متحمّس… لكنه يخشى المغامرة

كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:

من الصعوبة الاعتقاد، أنّ فصل مصير الحكومة عن المشهد الختامي لأزمة قبرشمون، ممكن أو متاح. اذ تدفع الأولى، عنوة، ثمن المسار الذي سلكته

الثانية. أن يتحوّل رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بين ليلة وضحاها، من لاعب مأزوم، حشرته الظروف المحلية والاقليمية في الزاوية، إلى

متحكّم بقواعد اللعبة التي فرزتها أحداث الجبل، فهذا تفصيل ليس بسيطاً.

تُدين أحداث قبرشمون “الحزب التقدمي الاشتراكي” بالصوت والصورة، وهو سبق له أن قدّم “حصّته” من المطلوبين الذين استخدموا “الرصاص الحي”

يوم “الأحد الأسود” الواقع في 30 حزيران الماضي. ومع ذلك، راح “بيك المختارة” يتصرّف من موقع القوة، يحاول جرّ الآخرين إلى ملعبه. يتسلّق سلّم

التصعيد رويداً، رويداً. مؤشرات المواجهة التي تأتيه من ضفّة الخصوم، وتحديداً تلك التي يراها منبعثة من قلب الضاحية الجنوبية، لا تثنيه عن رفع سقف

مواقفه.

عملياً، يعتبر عارفو الرجل أنّ أحداث الجبل أعطت جنبلاط ما كان يريده، وعوّضت عليه ما سبق وخسره خلال الأشهر الأخيرة. فهي ساعدته على شدّ عصب

جمهوره بعد فترات من التراخي فرضتها التطورات السياسية، واسترد موقع زعامته التاريخي، بعدما أثبتت الانتخابات أنّ الأكل من الطبق الجنبلاطي

يهدد مصير هذا البيت العتيق.

وفق مؤيديه وكارهيه، تمكّن رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” من توظيف حادثة الشحار الغربي لمصلحته، حتى لو كلفه الأمر رفع حواجز خصومة

يحاذرها، مع “حزب الله”. وأي سيناريو ختامي، كما يبدو إلى الآن، سيجعل منه منتصراً، مهما كانت الكلفة. لا تشير التطورات، كما قدرته على الممانعة،

إلى أنّه في وارد تكبّد أثمان “فعلة” محازبيه في قبرشمون. ولذا بدا غير ممانع لخيار المجلس العدلي شرط أن يدخله بالتساوي مع “الحزب

الديموقراطي اللبناني” بعد ضمّ حادثة الشويفات إلى حادثة قبرشمون… ولو أنّ هناك من يرى أنّ الحظ أسعفه حين أسقط خصومه هذا الطرح!

ثمة من يعتقد أنّ هذه الخلاصة التي ستعزز موقع جنبلاط وتجعله يسترد ما خسره في الأشهر الماضية، هي التي تحول دون استعادة الحكومة

أنفاسها بعد طي صفحة أحداث الجبل. وفق هؤلاء، يرفض خصوم رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” منحه هذا الامتياز، ولذا يتمّ رفض كل الطروحات

التي توضع على طاولة المفاوضات والتي يقودها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

ومع ذلك، أبدى رئيس الحكومة سعد الحريري حماسته للدعوة إلى عقد جلسة للحكومة في أسرع وقت ممكن. في الأساس، لا خيارات متاحة أمامه إلا

الدفع باتجاه إعادة إحياء حكومته. ولذا يحاول فرض هذا المسار بمثابة أمر واقع في ظلّ تعنّت القوى السياسية ورفضها تقديم أي تنازل. يقول

المطلعون على موقف الحريري، إنّ تهديد رئيس الحكومة بالدعوة إلى جلسة حكومية، لا ينبع أبداً من تفاهم مسبق، وإنما من محاولة لكسر حالة

الجمود الحاصلة والتي تشلّ يديه.

ويضيف هؤلاء، إنّ منسوب حماسة الحريري ارتفع حين لاقاه “التيار الوطني الحر” إلى منتصف الطريق من خلال تأكيده المشاركة في أي جلسة قد يدعو

إليها رئيس الحكومة، حسبما أكد رئيس “تكتل لبنان القوي” الوزير جبران باسيل خلال مؤتمره الصحافي أمس. اذ يؤكد العونيون إنّ موقف باسيل تمّ

ابلاغه إلى رئيس الحكومة.

ويقول المطلعون إنّ اصرار الحريري لا ينبع من حسابات دقيقة، لا بل من رغبته في فرض واقع جديد، ولذا لا جواب عنده على سؤال جوهري: ماذا لو فرط

“تكتل لبنان القوي” النصاب القانوني؟ يعترف الحريري أنه لا يستطيع تقدير رد فعله، تاركاً الخطوة التالية لساعتها. يعتقد انّ الدعوة إلى عقد جلسة

حكومية، لا مفرّ منها، خصوصاً وأنّ التهويل بالاستقالة أو الاعتكاف لا يطعم خبزاً، ولن يجد له جمهوراً مصفقاً طالما أنّ اللبنانيين مقتنعون أنّ الحريري

ورئاسة الحكومة وجهان لعملة واحدة!

ولهذا، يسود الاعتقاد في بيت الوسط وبين المقربين من رئيس الحكومة، أنّ وضع الحريري الجميع أمام مسؤولياتهم، قد يكسبه تأييد الرأي العام كونه

قام بما يقتضيه الواجب، وليتحمل كل فريق مسؤوليته.

كذلك الأمر بالنسبة الى احتمال طرح مسألة الإحالة من خارج جدول الأعمال، حيث يعترف الحريري بأنه لا يملك جواباً جدياً عما ستكون خطوته المقبلة. جلّ

ما يفكر فيه في هذه اللحظة هو الخروج من حالة الجمود القائمة.

لا بل هناك من يذهب من داخل الفريق العوني إلى حدّ التشجيع على تكبير حجر الأزمة لتصغيرها، من خلال وضع بند الإحالة على طاولة الحكومة

والتصويت عليها كما يطالب رئيس “الحزب الديموقراطي” طلال ارسلان، بمعزل عن النتائج. ويشير هؤلاء إلى أنّ جبهة الداعمين للإحالة لا تتخطى الـ 15

وزيراً، ما يعني سقوط الاقتراح حكماً، ليطرحوا: فلتعقد الجلسة اذاً ولتطرح القضية على التصويت ولتأت النتائج كما هي.

على هذا الأساس يجزم المعنيون بأنّ كل السيناريوهات المطروحة لا تزال حتى اللحظة تصادمية، خصوصاً وأنّ خيار “العدلي” لا يزال يثير الشكوك في

ذهن جنبلاط في أن يكون مدخلاً لـ”توريط سياسي” يُراد منه تحجيمه من خلال ادانة الوزير أكرم شهيب.

ولهذا يقول بعض المطلعين إنّ الحريري يفضّل عدم خوض مغامرة الدعوة الى جلسة حكومية “تصادمية” طالما أنّ التفاهم لا يزال بعيد المنال، وهذا ما

لمسه من لقائه مع رئيس الجمهورية ميشال عون. ولذا وضّب حقيبته وقرر مغادرة البلاد بحجة الاجازة الخاصة.