كتب أسعد بشارة في صحيفة “الجمهورية”:
بكل ما اختزنه من تجارب سياسية يقرأ الرئيس تمام سلام ل»الجمهورية» معالم المرحلة ونتائج الزيارة الثلاثية للمملكة العربية السعودية والزيارات المزمع اجراؤها لأكثر من دولة عربية، ولكن ليس في الأمد القريب. ليس الوضع اللبناني بأفضل أحواله، فالتجاوزات والتعطيل سياسة ثابتة ولا بد من وضع النقاط على حروف العهد ولا بد من مصارحة ولو مؤلمة، فالدستور ينتهك والمؤسسات تترهل وما في شي تمام. في رأس بيروت في منزله المؤقت في انتظار ترميم دارة المصيطبة، التقت «الجمهورية» رئيس حكومة اختبر أقصى درجات الصبر،فكان حديث عن الصابرين الجدد وعن مكامن الداء.
لا يحبّذ الرئيس تمام سلام أن يوصف بأنه واحد من فريق حكماء، فهذا الوصف يمكن ان يحتمل تفسيراً آخر غير مُستحب، أي تفسير الأوصياء، فلا هو وصي ولا أحد يحتاج الى وصاية، بل الحاجة في رأيه لإنشاء تجمع وطني يحافظ على الدستور والطائف ومؤسسات الجمهورية والعيش المشترك. لكنه لا يرى انّ فكرة إنشاء هذا التجمع سيئة شرط إنضاجها وترتيبها جيداً، واختيار التوقيت الملائم.
ينطلق سلام من تجربته في السراي، وما شهدته من أزمات وانفراجات، فيشخّص أسباب الأزمة الحالية، ويقول: الوضع الحالي نتيجة تراكم الأزمات كأنها أصبحت من اختصاص هذا العهد، ومن التعطيل الذي يمارسونه فيه، مشيراً الى أنّ جزءاً من مشكلات عهد الرئيس ميشال عون، أنه ليس على مسافة من الجميع وأنه ينحاز انحيازاً واضحاً لطرف على حساب آخر، فيما يفترض ان يؤدي دور الحكم.
يتذكّر سلام ما حصل في إحدى جلسات الحكومة التي ترأسها، ويتطرق الى أداء وزير الخارجية جبران باسيل الذي يصفه بأنه ذو طاقة لا شك فيها، ولكنها لا توظّف في الاتجاه الصحيح. ويقول: ما يقوم به صهر الرئيس عون في ظل عهده، ممارسة فيها الكثير من الاستفزاز والتحدي وصولاً الى خطر اندلاع الفتنة في البلاد، من فتح مقابر الحرب الى تأليب مشاعر اللبنانيين على بعضهم، وهذه مواقف سلبية وهدامة وتنم عن سلوك التنافس السلبي والتعطيل والعرقلة والكيدية.
وعن دور “حزب الله” في دعم باسيل، يقول سلام: “حزب الله” حليف أساسي للعهد، وقد لا يوافق على جميع هذه التصرفات، لكن له سياسة يتبعها، وهذا التراكم في الأزمات يصب في إضعاف الدولة والاداء الوطني العام، ولا سمح الله اذا حصل السقوط، فسيكون فوق رأس الجميع بمَن فيهم “حزب الله”.
هل يغطي الرئيس عون سلوك باسيل؟ وهل يستشعر خطورة هذا الاتجاه؟ يقول سلام: لا اعرف اذا كان هو يعرف الى اين يذهب، فعندما يسود التعطيل تتراجع الانتاجية وتبرز التفرقة والتشتت.
ويضيف: المنطقة تعيش في مرحلة صعبة ودقيقة، والوضع الامني في لبنان مستقر وهو رأسمال كبير ليس لعهد الرئيس عون فَضل فيه، بل للمرحلة التي سبقت هذا العهد، من إجراءات تحمّلنا فيها أقسى الظروف لبسط سلطة الدولة والحفاظ على الاستقرار، في وقت قامت القوى الامنية والعسكرية من جيش وقوى أمن داخلي بواجباتها على أكمل وجه، حيث ساد التنسيق التام الذي حمى الوضع الامني.
وأمل سلام ان تعرف كل جهة حجمها، وان تكفّ عن المزايدات السياسية والمواقف المتبجحة والتهديد، لأنّ البلاد أهم من الصراع والمواجهة بين قوى سياسية من هنا وهناك.
واعتبر سلام أنّ اتفاق الطائف يُمسّ، وانه لم يطبّق بكل مندرجاته، وخصوصاً عدم إلغاء الطائفية السياسية على مستوى المجلس النيابي، وحصرها في مجلس الشيوخ، فضلاً عن الخرق المتمثل بما تم الاتفاق عليه في الدوحة الذي أتى على حساب الطائف، كبدعة الثلث المعطّل والحكومات الائتلافية وتمثيل رئيس الجمهورية بعدد الوزراء في وقت يفترض به أن يعتبر نفسه مُمثلاً بجميع الوزراء.
إنّ هذه الاعراف بدع جديدة، وقد شهدت السنوات الثلاث من العهد محطات عديدة تم فيها تجاوز صلاحيات رئاسة الحكومة وغيرها من المواقع الدستورية.
وعن الرئيس سعد الحريري وأزمة تعطيل الحكومة، يقول سلام: ليس الرئيس الحريري في وضع مرتاح، لكنّ خياره الأقوى الاستمرار بالسعي لتفعيل الامور بشكل ايجابي، لتحسين وتحصين الوضع الاقتصادي من خلال مؤتمر “سيدر”، وهذا أمر مُلحّ. يتحمّل الرئيس الحريري الكثير ويؤخذ عليه الكثير، وهو مخلص وصادق في محاولته إنقاذ البلد، ونحن نقف الى جانبه.