كتب شربل سلامه في صحيفة “الجمهورية”:
يتجلَّى الذكاء الإخراجي الإذاعي بقدرته على تحويل الصوت إمَّا إلى شعور، وإمَّا إلى صورة ذهنية. و تتجلَّى القدرات الفنية للمبدعين إذاعياً، بجعل الصوت غير محتاج إلى صورة كي يتحوَّل إلى شعور.
إستطاع التلفزيون في أولى سنوات نشأته استقطاب واستيعاب مذيعين ومذيعات ومعدّي برامج ومسرحيّين وكتَّاب وشعراء ونُقَّاد، وصحافيين، وفنانين كانوا بأصواتهم وأعمالهم وتأليفاتهم وكتاباتهم، يشكّلون اليوميات الإذاعية للمستمعين والمستمعات، فصاروا الإذاعيين التلفزيونيين، وطابقَ الجمهورُ صورَهم على أصواتهم ثمَّ قَدَّرَهُم وأحبَّهم وتعلَّق بهم أكثر، صوتاً وصورة.
في لبنان، أعاد التاريخ الإعلامي نفسَه منذ الأشهر الأولى لنشأة الإذاعات اللبنانية الخاصة التي وبفعل قدراتها المادية على الإنتاج البرامجي الإذاعي، وبفعل وفرة إعلاناتها، أثناء فترة الحرب اللبنانية، استطاعت استيعاب غالبية الَّذين كانوا يشكِّلون تفاصيل اليوميات التلفزيونية والمسرحية والأدبية للمواطنين.
لقد سمعنا كباراً من التلفزيون والمسرح والأدب والشعر عبر الإذاعات من دون أن نشعر لحظةً واحدة أننا بحاجة لرؤيتهم. صوتُهم كان صورتَهم الإنطباعية.
الأمر طبيعي لو كنَّا أمام جهاز راديو. أمَّا أن يكون الأمر كذلك ونحن أمام شاشة التلفزيون فهذه مفارقة فنّية محيِّرة.
فلسبب من الصعب تفسيرُه أو تبريرُه فنّياً، وإخراجيّاً، وكتابةً، بعض التلفزيون يقدّم للمشاهدين في مسلسلات عدة، صوراً لا تتغيَّر لأصواتٍ لا تتغيّر.
نلاحظ أنّ نبرة الصوت واللهجة في الأداء لدى بعض الممثلين والممثلات تكاد لا تختلف بين مسلسل وآخر.
كم من المسلسلات رافقت أمسياتِنا أو فتراتٍ من نهارنا وشاهدنا فيها ممثلين رجالاً باللحية ذاتها قصيرة كانت أم طويلة، مرسومة بعناية أم طبيعية. وكم رأينا ممثلاتٍ بقصَّة الشعر ذاتها وبطول الشعر ذاته وبلونه ذاته، كلّ ذلك يتكرر من دون أيّ تغيير في عدة مسلسلات.
هنالك ممثلون وممثلات شاركوا في مسلسلات ومسرحيات وبدت صورتهم متطابقة في كل أدوارهم، أو بالأحرى بدت وجوههم في المسلسل الجديد كما تعرفنا إليها في مسلسل سابق أو في مسرحية.
بعض الممثلين والممثلات، لو اقتطعنا من كل مسلسل شاركوا أو شاركنَ به صورة واحدة لوجه أحدهم أو إحداهنَّ ووضعنا مجموعة الصور في مشهد جديد واحد، لما عرفنا أية صورة هي بالفعل تابعة لأيّ مسلسل. ولو اقتطعنا مقاطع صوتية لهم أو لهُنَّ من مسلسلات تلفزيونية مثَّلوا فيها أو مسرحيات، وجمعناها في مقطع صوتي واحد لما عرفنا الشخصية التي يلعبونها في المسلسل لا من نبرتهم ولا من صوتهم ولا من لهجتهم. الأداء ذاته في كل المسلسلات والنبرة ذاتها.
إنَّ الصورة ذاتها المتكرّرة الملامح للممثل أو الممثلة في أدوار مختلفة، تجعل المشاهد يسأل: لماذا يتكرّر الشكل الخارجي ذاته للممثل أو الممثلة في غالبية الأدوار التي يقوم أو تقوم بها؟ (إن لم يكن في كل الأدوار)
على سبيل المثال لا الحصر، تخيلوا مثلاً الممثل عمَّار شلق في مسلسل «ثواني»، يقوم بدور «رائد» من دون أن يغيّر شكله وقصة شعره وذقنه ولهجته وطريقة أدائه. إنَّ تكيُّف هذا الممثل مع الشكل والأداء المطلوبين للشخصية زاد من جمال وقيمة الدور والنص والإخراج على السواء. كذلك الأمر في مسلسل «خمسة ونص» حيث تخلَّت الممثلة نادين نسيب نجيم في دور «بيان» عن شعر رأسها.
هذان مثلان بسيطان حول جعل تغيير الشكل سبيلاً من سبل جذب فكر المُشاهد إلى عمق الدور التمثيلي والى رسالة المسلسل.
إنَّ تكرار الشكل والأداء لمجموعة من الممثلين ولممثلات في مسلسلات متتابعة يجعل المسلسل الَّذي يشاركون فيه أقرب إلى مسلسل خصوصاً إذا كان تكرار هذا الشكل متلازماً مع تكرار اللهجة وطريقة الأداء.