بغض النظر عما ستؤول إليه المساعي السياسية في محاولة للخروج من المآزق الراهنة، فإن الثابت والأكيد أن الحكومة الحالية باتت أشبه بمومياء لا حياة فيها، ولو نجح أصحاب المبادرات والوساطات في دفعها إلى الانعقاد من جديد.
التشبيه بـ”المومياء” ينطلق من واقع أن ثمة من يصرّ على الحفاظ على شكل الحكومة للإيحاء بأنها لا تزال على قيد الحياة سياسياً، في حين أن الوقائع تثبت أن لا شيء ينبض في جسد الحكومة الذي أنهكته الصراعات والمواجهات بين أطراف لم يعد يجمعها شيء، ولا حتى قرار مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية.
ولو سلّمنا جدلاً للحظة، وبدافع النقاش ليس أكثر، أن الرئيس سعد الحريري وجّه دعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء وأن النصاب اكتمل، فأي جلسة حكومية سنشهد عندها؟ كيف يمكن للأطراف الحكومية التي تتراشق بأسوأ أنواع الاتهامات والتحريض المتبادل أن تجلس لمناقشة بنود تهمّ الناس من دون أن تتفجّر الجلسة، سواء على مفرق قبرشمون أو على فوهة بركان المادة 80 من الموازنة؟
لا أحد يأخذ في الحسبان أن ثمة تصنيفاً ائتمانياً جديداً للبنان سيصدر في النصف الأول من آب المقبل، أي بعد أيام، وأنه في حال لم تكن الموازنة قد نُشرت والحكومة التأمت لتطبيق مندرجات الموازنة والبدء بالتحضير لموازنة الـ2020، فإن أقل ما ينتظرنا هو مزيد من التراجع الكارثي في تصنيف لبنان، ما سيحتّم تسريع الانهيار المالي المرتقب عبر ارتفاع قيمة التأمين على السندات السيادية اللبنانية، ما سيرفع الفوائد في الأسواق اللبنانية بشكل جنوني ويقضي على أي احتمال لتأمين السيولة التي تحتاجها الحركة الاقتصادية في الأسواق، وما سيطرح حكماً أسئلة وجودية حول قدرة الحكومة في الأشهر المقبلة على سداد مستحقاتها.
في ظل كل هذه المعطيات ثمة من يصرّ على البحث في جنس القضاء المطلوب إحالة حادثة قبرشمون إليه، بهدف تسجيل نقاط متبادلة على ضفاف نهر تسيل فيه دماء الاقتصاد اللبناني ويتبخّر على جانبيه أي مستقبل للبنانيين!
الحكومة- المومياء؟ قد لا يكون الوصف دقيقاً، ففي تاريخ الفراعنة نجحت عمليات التحنيط التي قاموا بها لأجساد بعض ملوكهم وملكاتهم في الحفاظ عليها لآلاف السنين، ما أبقاها كقيمة تاريخية وفنية للأجيال اللاحقة، أما في حال الحكومة اللبنانية فإن ديدان الخلافات والصراعات لم تترك شيئاً في جسد الحكومة التي باتت عبئاً على لبنان والاقتصاد اللبناني واللبنانيين، ما سيجعل من تحنيطها كارثة سياسية ودستورية.
والخلاصة: هل على الرئيس سعد الحريري أن يستقيل؟ ربما باتت استقالته ورفضه أن يلعب دور “شاهد الزور” على كل ما يجري يشكل الصدمة التي يحتاجها للبنان لإعلان الوفاة والتأمل في قيامة ما…لا أحد يمكنه التكهّن بإمكان تحققها!