IMLebanon

جنبلاط عن نصرالله: نصّب نفسه محققاً وقاضياً

كتب منير الربيع في “المدن”:

نقطة بنقطة، يعمل وليد جنبلاط في وضعها على الحروف. صباح الأحد، اختصر ما يجري، واضعاً إياه في سياقه الطبيعي والمنطقي، واصفاً ما يدور حول حادثة البساتين بأنه لم يعد محصوراً بالبساتين وحدها، وهي لم تعد محلية. كشف جنبلاط الخلفية الإقليمية لكل ما يُحاك ويُدبَّر. غرّد صراحة قائلاً: “يبدو أن التشنج السياسي الحالي، وكما عبرت عنه جهة حزبية محلية وإقليمية، ليس محصوراً بالبساتين أو الشويفات. لذا، فإن اجتماع بعبدا غير مفيد إذا ما أصحاب العلاقة المباشرين، وليس أبواق النعيق اليومي، وضّحوا لنا لماذا هذا العداء الجديد، والذي كنا أطلقنا عليه تنظيم الخلاف. وأخيراً، أين الطائف؟”.

وقت نصرالله

تغريدة جنبلاط دفعت إلى إطلاق الكثير من التساؤلات حول معناها وأبعادها وخلفياتها. وفي اتصال معه: “يشكر وليد جنبلاط السيد حسن نصر الله لتفرغه وإعطائه من وقته، في ظل الصراع الكبير بينهم وبين الأميركيين. إذ يبدو أنه يهتم كثيراً بحادثة البساتين إلى حدود تنصيب نفسه محققاً وقاضياً، وأبرم الحكم سريعاً. في المرة الأولى صدر الحكم حول محاولة الاغتيال وقبل انتظار التحقيق. وفي المرة الثانية، ربما أرادوا للحكم أن يكون تمييزياً”.

عندما نسأل وليد جنبلاط عما إذا كانت القضية معقّدة يجيب: “بالأساس معقّدة. عندما يصدر حكماً مبرماً على مرتين متتاليتين من قبل السيد نصر الله، ويضعها في خانة محاولة الاغتيال، يشير إلى أن الأمور معقّدة، بينما على السيد نصر الله انتظار التحقيق، الذي يجب أن يأخذ مجراه. وبعد إنتهاء التحقيقات، مجلس الوزراء هو الذي يقرر إحالة الملف على المجلس العدلي، أو على المحكمة العسكرية أو على محكمة عادية”.

“لن يصادروا استقلاليتي”

يعرف وليد جنبلاط أن ما يجري هو تصفية حساب: “كان مقرراً بالنسبة إلى البعض أن نلتزم بما يقولونه، أو يفرضونه، في رواية أن ما جرى هو جريمة مدبّرة، تحال إلى المجلس العدلي وبعدها نذهب لإجراء مصالحة عشائرية”. ولكن “أنا مش طالع أعمل مصالحة عشائرية ببعبدا، ولن أذهب إلى بعبدا لألتقي بطلال ارسلان. وإذا كان لا بد من لقاء، فمع مندوب مباشر لنصر الله. وإذا ما أحب إرسال مندوب، لا مشكلة، لنفهم لماذا انتقل تنظيم الخلاف السياسي إلى عداء سياسي، في هذه المرحلة؟”.

يعتبر جنبلاط أن البعض في لبنان يتمتع بنظرية مؤامراتية: “يريدوننا أن نكون إما معهم أو ضدهم، وربما ما يجري هو في سبيل الضغط، عليّ وعلى سعد الحريري لأن نكون في صفوفهم، أو أن نصطف معهم، في ظل المواجهة الكبرى بينهم وبين الأميركيين. ولكن كيف بإمكاننا الاصطفاف معهم؟ ففي الأساس، الرئيس الحريري قدّم كل التسهيلات، وأنا كذلك. تراجعت عن الكثير من الانتقادات للنظام الإيراني، وللنظام السوري. لكن لدي استقلاليتي. ولا أريد لأحد أن يصادرها منّي”.

باسيل وتحطيم الطائف

نسأله، لكن أليست هذه التنازلات هي التي دفعتهم إلى المطالبة بالمزيد، تطويعاً؟ يجيب جنبلاط بالنفي قائلاً: “هناك موازين قوى واضحة في المنطقة كلها، وموازين القوى تفرض ذلك، ولا يبدو حتى الآن وجود أي إمكانية لتغيير موازين القوى. لكن لا يمكن القبول بالاستسلام”.

ويرى جنبلاط أن نظرية “إما معنا وإما ضدنا، هي نظرية غلط بغلط”. وإلى جانبها هناك نظرية داخلية يقودها جبران باسيل، تقوم على مبدأ تحطيم اتفاق الطائف، وحالياً هناك عنوان ومدخل جديد لضرب الطائف، من خلال المادة المتعلقة بمجلس الخدمة المدنية. هذا المسار كان قد بدأ بإقرار قانون الانتخابات، وربما الأمور تبدأ حالياً بالخدمة المدنية، لتنتقل إلى جوانب أخرى، خصوصاً أن بعض المعلومات تفيد أن بعض السفارات اللبنانية في الخارج، تقوم بعمليات إعادة الجنسية للبنانيين، بالمئات لصالح فئة لبنانية ضد أخرى”.

لا بد من تفكير عميق، إلى أين نذهب في ظل هذا العهد، وفق ما يقول جنبلاط، معتبراً أن هذا مؤشراً غير مرض. وهو يشكل أحد الترجمات لنظرية تحالف الأقليات. هذه النظرية التي وقف بوجهها سلطان باشا الأطرش وأسقطها بالثورة الكبرى. وعاد البعض محاولاً إحيائها  في السبعينيات وتصدى لها كمال جنبلاط وموسى الصدر. ومن ثم عاد وتبناها ونظّر لها ميشال سماحة وكريم بقرادوني مع رفعت الأسد، والتي كانت محطّ رفض الكثير من المسيحيين الوطنيين. هذه النظرية التي يعاد إنتاجها اليوم، وتُخاض في سبيلها حروب تهجيرية تشهدها سوريا منذ سنوات، لن نسير فيها.

يعرف وليد جنبلاط أن ما يجري هو عملية إبتزاز وتخويف كبيرة، ولكن لم يعد هناك من تنازلات ليتم تقديمها.