IMLebanon

فزَّاعة الـ 30%

كتب بشارة شربل في صحيفة “نداء الوطن”:

ما كاد رئيس الجمهورية والوزير باسيل يصادران الموازنة بحجة فقرة الناجحين في امتحانات “مجلس الخدمة”، وجلُّهم من المسلمين، حتى أتت احصائية “الدولية للمعلومات” لتؤكد ان المسيحيين باتوا 30 في المئة وان الاحصاء الذي سجلوا فيه أغلبية 58 في المئة في العام 1932 انقلب جذريا في 2018.

وسواء كان توقيت الاحصائية بريئاً أم ان ارقامها تحتاج الى تدقيق، فالأكيد ان هامش الخطأ لا يتجاوز 3 في المئة، بمعنى ان المسيحيين، في أحسن الأحوال، صاروا ثلثاً، مقيمين ومسافرين، وأنهم خسروا “حرب الخصوبة” بالتوازي مع نكبات الحرب الأهلية وحبة الكرز فيها حربا “الالغاء” و”التحرير”.

يمكن للرئيس عون وصهره ان يطالبا بالمناصفة في كل المناصب من خلال تفسيرٍ حمّال أوجه للفقرة 95 من الدستور، كونها تنص على حصر المناصفة بالفئة الأولى بعد المرحلة الانتقالية، أي تشكيل هيئة الغاء الطائفية السياسية… و”حسب مقتضيات الوفاق الوطني”.

ثمة أسباب أخرى وجيهة تجيز المطالبة لكنها غير واقعية، ومنها ان الحرب “الاسلامية – اليسارية” التي خيضت ضد المسيحيين تسببت بتهجير واسع وبهجرة كثيرين، وان مرسوم التجنيس المشؤوم في عهد “الترويكا” الرئاسية المرعية من غازي كنعان لبننت 140 ألف راشد مسلم معظمهم سوريون… بيد ان تلك المطالبات تشبه الاصرار على خوض “المعارك الخاسرة”، ومصيرها شبيه بحكم “مجلس الشورى” الذي أبطل المرسوم، لكنه نُفِّذ بفعل انكسار التوازن السياسي.

ولنكن صريحين. لن يقبل المسلمون العودة الى وراء. هم “أوقفوا العد” بما يشبه الهِبة بعد تكريس نتائج الحرب في “اتفاق الطائف”، غير ان ذلك لا يعني ان يسمح المسيحيون بتقلص عددهم في الدولة الى نزر يسير.

ولعل المزاوجة بين احترام عمل المؤسسات الرقابية و”مجلس الخدمة” تحت سقف الدستور والأعراف، وبين مقتضيات الوفاق الوطني، تبقى السبيل الى تأمين حد أدنى من التوازن داخل الادارة، لأنه حاجة للمسيحيين للبقاء في لبنان، ولأن مصاريف الادارة ووظائفها يجب ان يتشارك فيها دافعو الضرائب بالعدل والقسطاس .

أبعد من الاستغلال السياسي والطائفي المنبثق من محاولة الافتئات على حقوق الناجحين في “مجلس الخدمة”، يتوجب فتح نقاش جدي حول اللامركزية الادارية الموسعة وحجم الدولة وعدد الموظفين الذين يمكن تقليصهم الى ثلث العدد الحالي، وحينها يمكن استعادة توازن مقبول مسيحي – اسلامي في الادارة وفقاً للكفاءة وعبر آلية مؤسسات الدولة.

انها حلول واقعية خصوصاً في ظل تحول مطلب دولة المواطنة وسريان القانون الوضعي على الجميع مجرد حلم صيفي، وفي ظل تستر “المتنورين” بفكرة “الدولة المدنية” غطاء لنزعة هيمنة عميقة تستعيد مساوئ الاستئثار المسيحي القديم.