كتبت مرلين وهبة في صحيفة “الجمهورية”:
بعيداً عن شجون الموازنة وموادها الجافة التي صبغت الساعات المطوّلة لمناقشتها قبل التصويت عليها، كانت لافتة كلمة النائب ابراهيم الموسوي من كتلة «الوفاء للمقاومة»، عندما انبرى لتحصيل حقوق طالبة هي لارا سليمان نجحت بامتياز في دورة مجلس الخدمة المدنية لوزارة المالية، وفازت بالمرتبة الأولى على مستوى الجامعة اللبنانية في أطروحة الماجيستير. وللمفارقة أنّ هذه الطالبة «قواتية».
وفي الوقائع أنّه حين سمّى الموسوي طالبته في الجامعة اللبنانية، التي أشاد بمستواها، ضارباً بها المثل في الاجتهاد، متسائلاً عن سبب عدم تعيينها، قاطعه النائب زياد حواط بالاشارة الى أنّ السيدة سليمان من جبيل، فعاجله الموسوي بالجواب «قواتية أيضاً»!
بالطبع بَدا الاستغراب على وجوه الحاضرين وطرح البعض السؤال: لماذا تحدث نائب في «حزب الله» عن كفاءة طالبة قواتية؟ (علماً انها لا تملك بطاقة حزبية) ولماذا يحصّل الحزب حقوق القوات؟ وهل كان الأمر مجرّد مبادرة فردية من أستاذ جامعي متجرد إحتكَم لضميره ولموقعه لتحصيل حقوق طالبة كفوءة من طلابه؟
«الجمهورية» تواصلت مع النائب الاستاذ والطالبة، فكانت هذه الشهادة التي جمعت «حزب الله» و«القوات اللبنانية» تحت سقف القانون والكفاءة.
لارا سليمان
تفاجأت سليمان بلفتة أستاذها وليس بخطابه، وفق قولها، إذ انّها تصفه بالاستاذ الرائع والمتميّز الذي لا مثيل لإنسانيته ونزاهته وكفاءته، وتقول إنّها لم تتوقف مذذاك عن تلقّي اتصالات التهنئة بعد شهادته التي كانت منقولة مباشرةً على الهواء وشاهدها آلاف اللبنانيين. وتعترف بأنّها تأثرت بشهادة أستاذها، بل «انصَدمت» وعلّقت: «أصبحنا في زمن لم نعد نؤمن بنائب أمّة، بل بنائب فيديرالية، بنائب حزب وطائفة. ولأول مرة شعرتُ أنّ هناك مفهوماً وطنياً تجسّد في نائب»، معتبرة أنّها «المرة الاولى التي يطالب فيها نائب من غير طائفتها وانتمائها السياسي بحقها، ولذلك آمنت اليوم بوجود نواب داخل هذا المجلس بحجم دولة وأمّة».
يذكر أنّ سليمان تنتمي إلى عائلة حزبية تؤيد «القوات»، ولكن الانتساب الى الحزب «ليس بالضرورة أن يكون فقط بالبطاقة»، فهي من «عائلة منتسبة ومناضِلة في صفوف القوات وسقطَ لها شهداء»، وتعتبر «أنّ انتسابها إلى الحزب تشعر به في داخلها ومن خلال أعمالها وكفاءتها».
الموسوي يفعلها للمرة الثانية…
وتحدّث الموسوي قائلاً انّه «نائب عن الامة اللبنانية، وانّه يتعامل مع الآخر كإنسان». ويفتخر بأنه متخرّج من الجامعة اللبنانية، بالرغم من نيله شهادات أخرى من الجامعات الاميركية والبريطانية. ويقول انه بدأ التعليم عام 2007 ولم يتمكن من التفرغ في الجامعة اللبنانية «لأنّ أسهمه لم تكن مرتفعة في ذلك الحين»، فانتظر حتى عام 2015 أي بعد 8 سنوات إلى حين سمّي للتفرّغ.
وعن مواقف مماثلة في المرحلة الماضية، يروي الموسوي: «كان لدي زميلة من الطائفة السنية تدعى هيفا سلام، وهي دكتورة ما زالت تدرّس اليوم في كلية العلوم الاجتماعية، وعندما أُعلنت أسماء الأساتذة الذين سيتفرغون في الجامعة اللبنانية في بلد المحاصصة وفي زمن المحاصصة وليس زمن الكفاءة، لم يعلن اسمها… لم أستطع أن أكون منسجماً مع نفسي وقناعاتي، خصوصاً أنّ زميلتي تخرّجت قبلي من جامعة السوربون في فرنسا، فغضبتُ كيف أعلن اسمي من دون اسمها، وقررت بدء العمل لأجلها وتواصلتُ مع تيار «المستقبل»، علماً أنّ حالة الانقسام بين «حزب الله» و»المستقبل» كانت في أوجها في تلك الفترة، وباعتبار العلاقة كانت سيئة في ذلك الحين، كان الأولى بتيّار «المستقبل» التفرّغ لحملة الزميلة… لكنّ الانسان الذي يؤمن بهويته الانسانية مهما كانت طائفته أو مذهبه، يجب أن يشعر بالآخر بعيداً عن المحاسبة، لأنّ الله هو من يحاسب في النهاية… وقلت عندئذ للمستقبل: «يا جماعة اعملوا معروف، أشعر بالاهانة كيف أدخل الصف وأضع عيني في عين زميلتي، خاصة حين كان يمرّ في خاطري أنّ قوتي استمدّيتها من التوصية التي أوصلتني حتى لو كنت أستحقيتها، لأنّ زميلتي هيفا كانت مستحقة أكثر مني».
وكشف الموسوي أنّه تكلّم بالأمر يومها مع السيّد حسن نصرالله، وقال له «إنه لا يحسن الامر»، وأضاف: «للأمانة عندما اعتلى السيّد حسن نصرالله المنبر في اليوم الثاني تكلم عن الموضوع، إنما من دون ذكر الاسماء، ودعا الى إعادة النظر في تعيينات أناس مستحقين في الجامعة اللبنانية».
الموسوي: قدّسوا عقولكم
وعن لارا سليمان يقول الموسوي انها كانت من الطالبات المجتهدات في صفّه في فرع «التواصل السياسي» مع مجموعة من السيدات المجتهدات والمتميّزات بدماثة الاخلاق، وهو غالباً ما يقول لطالباته الى أيّ طائفة انتموا «قدّسوا عقولكم».
وأضاف: «لمعت لارا في بالي وأنا دائماً أسأل عن أحوالها لأنها الأولى، فضلاً عن أخلاقها ومزاياها… فالطالب المجتهد لا ينساه أستاذه، وحين توفي شقيقها كنت أتواصل مع العائلة وأطمئن الى أحوالها لأنني أؤمن أن لا قيمة للإنسان إذا لم يشعر مع أخيه الانسان. وهل تكون قيمته الإنسانية اذا حمل هوية طائفية وسياسية؟».
وختم أنه «لا ينسب الى نفسه فضيلة بعد ما فعله مع لارا أو هيفا أو غيرهما، أو ما سيفعله مع آخرين مثلهما إذا دعا داع ٍ، لأنّ الذي لا يكون تصرفه مماثلاً لا يكون إنساناً».
ولفت الى «أنّ كل صاحب يد نظيفة وكفوءة يمثله بعيداً عن هويته الطائفية والمذهبية، لأنّ الفاسدين والذين لا يمتلكون الكفاءة متواجدون في كل الطوائف وكذلك «الأوادم».
وفي الختام، لم يخف الموسوي إعجابه بالطريقة الإحترافية التي يعمل بها النائب جورج عدوان رئيس لجنة الادارة والعدل، لافتاً الى الثقة والتعاون والعمل، وهي العوامل التي تجمع بينهما، والتي يثني عليها.
تجدر الإشارة الى أنّ سليمان تبلّغت مؤخّراً توقيع مرسوم تعيينها ملحقة إعلامية في وزارة المالية، بتوقيع المرسوم القاضي بتعيين الناجحين (فئة ثالثة مالية) وهي من بينهم، علماً أنّ التوقيع جاء بعد قرابة عام من صدور النتائج… ولا يمكن التكهّن ما إذا كان تاريخ توقيع المرسوم قد جاء مجرّد مُصادفة، أم أنّ الكلمة الفصل ما زالت للمحاصصة التي صودِف أن اكتملَت عناصرها.