كتب علي الأمين في صحيفة “نداء الوطن”:
اقترب المستشار الرئاسي والوزير سليم جريصاتي من الوزير أكرم شهيب قائلاً: “كنت تعدّ كميناً للوزير جبران باسيل!؟” فأجاب شهيب مستهجناً ما نطق به جريصاتي: “لو كان هدفنا اعداد كمين لما كان خرج منه”. هذه الواقعة التي تتناقلها أوساط في “الحزب التقدمي الاشتراكي”، تستحضر وقائع عدة على مستوى ما جرى في 30 حزيران في قبرشمون وعلى طريق البساتين، فضلاً عن الخطاب الذي ألقاه باسيل في بلدة الكحالة، عناصر تتداخل فيها أجواء من التوتر السياسي وانعدام الثقة، ليس داخل البيت الدرزي، بل على مستوى العلاقة بين “الحزب الاشتراكي” و”التيار الوطني الحر”.
لا يبدو أن لدى رئيس الجمهورية رأياً مغايراً لمستشاره جريصاتي، هذا ما قاله لرئيس الحكومة سعد الحريري في اجتماعهما الأخير “القصة ليست الوزير صالح الغريب، إنما أكثر من ذلك، القصة أن كميناً كان معدّاً لاستهدافي من خلال استهداف الوزير باسيل”. رئيس الجمهورية يتبنى مقولة محاولة اغتيال باسيل، لذا فهو مصمم على السير في ملف الإحالة إلى “المجلس العدلي” بل سأل الحريري: هل تقبل أن تتعرض انت أو الرئيس بري أو أحد معاونيك لمثل هذه الجريمة ولا تحيلان القضية إلى المجلس العدلي؟
“الاشتراكيون” يذهبون الى ابعد من موقف رئيس الجمهورية، الى موقف “حزب الله” ودوره الذي يصفونه بالمحوري في إدارة ملف البساتين، “فهو المدعي والمحقق ومصدر الحكم” ولسان حال وليد جنبلاط في شأن “حزب الله” ودوره، ما قاله المتنبي لسيف الدولة (فيك الخصام وانت الخصم والحكم).
علماً أن الحذر لا يزال قائماً لدى جنبلاط من توجيه أي اتهام مباشر لـ “الحزب”، ويترجم بسؤال يتردد على ألسنة المحيطين به يحمل في طياته الكثير، وهو ماذا يريد “حزب الله” من وليد جنبلاط؟
لا شك أن ثمة استياءً مشوباً بحذر مما قاله السيد حسن نصرالله عن حسابات جنبلاط ولا سيما بشأن مشروع الأرز في عين دارة، وهو ما استدعى من جنبلاط أن يرد بشكل مدروس ومنضبط لدى خروجه من لقاء مع الرئيس الحريري بعد انقطاع.
ما يتردد على ألسنة الاشتراكيين، أن عملية تطويع جنبلاط لم تتوقف وهي مستمرة كما في خطاب نصرالله الأخير، من خلال الإصرار على الانتقال من الخصومة السياسية مع جنبلاط الى العداء السياسي. وما قاله جنبلاط في تغريدته امس يتضمن رسالتين، واحدة لنصرالله، مفادها أن “حادثة البساتين” انتقلت الى المجال الإقليمي بإرادة “حزب الله” من دون أن يسميه.
اما الرسالة الثانية فهي الى الرئيس ميشال عون، في تجاوزه الطائف من خلال مشروع الموازنة، وفي طي جنبلاط فكرة ما سمي مصالحة بعبدا، التي كانت أحد المخارج المقترحة لتتويج الاتفاق بشأن معالجة “حادثة البساتين”.
ويبقى السؤال الذي يشغل جنبلاط هذه الأيام، ماذا يريد “حزب الله”؟ هو سؤال على طريقة جنبلاط، يتمترس خلفه ليقدم هو الإجابة ودائماً على طريقة سؤال ايضاً، تعديل الطائف أو تقويضه، وجر جنبلاط الى حلف الأقليات الذي يقود نصرالله فرعه اللبناني.
يردد قريبون من “حزب الله” ان لديهم تسجيلات لوزير التربية أكرم شهيب وهو “يحرّض” مناصري الحزب الاشتراكي على التصدي لموكبي الوزيرين باسيل والغريب يوم 30 حزيران، وكان مناصرو “حزب الله” بدأوا حملة ضد شهيب استحضروا من خلالها فيديوهات تم نشرها بعد حوادث 7 ايار 2008 تتهم شهيب بالتنسيق مع إسرائيل خلال حرب الجبل. شهيب يبتسم حيال هذه الاتهامات المستهلكة، ويلفت إلى أن هناك من ذكره ايضاً بحادثة أليمة كانت حصلت بين قائد اللواء الثامن آنذاك العميد ميشال عون في العام 1983 وأهالي عاليه والتي ذهب ضحيتها اثنان من المدنيين في عاليه وعنصر من الجيش، وجاء التذكير هذا من مقربين من الرئيس ليقولوا إنني كنت استهدفه وها أنا أستهدف الوزير باسيل اليوم.
أما تصويب طلال أرسلان على شهيب، فينطوي على مشكلة تتصل بأزمة أرسلان الذي كانت الانتخابات النيابية الأخيرة تشبه الفضيحة بالنسبة اليه، بسبب التفاوت الكبير لمصلحة شهيب في الأصوات الدرزية ولا سيما في عاليه، وفي الدوائر التي كان يظن أرسلان أنه صاحب نفوذ فيها، وكشفت الوقائع عكس ذلك، على رغم كل ماكينة العهد والحزب التي دعمته.
يتابع الوزير شهيب كعادته شؤون التربية في وزارته، بنشاط لا يجاريه فيه أقرانه المنتسبون إلى نادي السبعين، يدرك أنه من أهداف الحملة على جنبلاط، لكنه لخبرة ممتدة في تاريخ الأزمات من الحرب الى ما بعد الطائف، ينتمي إلى مسيرة طالما كانت التحديات عنصر إثبات قوتها وحضورها والأهم أنها المعبرة ليس عن الدروز فحسب، بل لها امتداداتها لدى كل اللبنانيين الذين يقدمون انتماءهم اللبناني والعربي على كل انتماء، يختم شهيب في اشارته الى ارسلان ومن وراءه “هؤلاء ربما لا يعلمون أن بسلوكهم ومواقفهم يدفعون البلد نحو حرب أهلية”.