كتب يوسف منصور في صحيفة “نداء الوطن”:
مرّ أكثر من سنةٍ على قرار بلدية بعلبك شراء عقار يملكه النائب عن منطقة جبيل مصطفى الحسيني والواقع بين عقارين تملكهما البلدية، بهدف إنشاء مركز لمحافظة بعلبك الهرمل التي أبصرت النور بقرار في 22-5-2003 ووضعت على سكة العمل في أيار 2014 من خلال تعيين محافظ للمنطقة، ومع القرارين بدأت آمال أبناء المنطقة بالتخلّص من المعاناة.
شكّل القرار مادة خلاف بين أعضاء بلدية بعلبك، حيث اعترض ممثلو “حركة أمل” وجمعية المشاريع الخيرية على مشروع إنشاء مركز محافظة بعلبك في الجرود، فيما أصرّ “حزب الله” على المشروع لغاياتٍ يعلمها بنفسه، ضارباً عرض الحائط بمطالب الناس والنظر بعين المصلحة العامة، ومتجاهلاً ما قد يحمله هكذا قرار من تعطيل للسوق التجاري ووسط المدينة الذي تعتاش منه مئات العائلات.
ووفق المعلومات، فإن هدف “حزب الله” هو رفع أسعار الأراضي الى جانب مركز المحافظة والذي يبعد عن المدينة 7 كيلومترات، وثانياً تخفيف كلفة البنى التحتية عن العقار 101 البالغة مساحته مليوناً وثلاثمئة ألف وسبعة عشر متراً مربعاً، والذي حوّله “حزب الله” بفضل قدراته القضائية من ملك بلدي عام إلى ملك بلدي خاص لتأجيره إلى شركات إستثمارية ستنفّذ فيه مشاريع سياحية على نسق معلم مليتا في الجنوب، وقد استحصل على الترخيص لإنشاء المعلم من وزارة الداخلية لمصلحة جمعية العمل البلدي في “حزب الله”.
لا شيء في الأفق يوحي بأن “حزب الله” سيعدُل عن قرار إنشاء مركز المحافظة في الجرود، فهو أجّل البتّ بالقرار إلى ما بعد انتهاء الإنتخابات النيابية لامتصاص نقمة الناس من الهرمل حتى قرى غربي بعلبك، وظنّ المواطنون القادمون من تلك المناطق أن قرار إنشاء المحافظة سيوفر عليهم تعب التنقلات إلى زحلة حيث كانت المدينة مركز الإدارات العامة، ومع قرار إنشاء المحافظة بدأت الدولة استحداث أجهزة للإدارات الرسمية، غير أن “حزب الله” وبقراره الأخير أثقل كاهل المواطنين بالمشقّات أكثر، فهم سيمضون يومهم على الطرق للوصول إلى بعلبك ومنها إلى الجرد حيث المركز الذي سيعتمد.
من الاقتراحات المقابلة اعتماد ثكنة غورو وسط المدينة والقريبة من القلعة الأثرية، مبنى للمحافظة، تلك الثكنة التي تضم عدداً من المباني التي أنشأها الفرنسيون، غير أن الحرب الأهلية دفعت بالعديد من العائلات إلى وضع اليد على المنازل فيها، وتشكّلت في بداية الإقتراح لجنة لإحصاء عدد المهجرين فيها حيث قُدّروا بـ 600 عائلة، وتحت الضغط والطلب تشكّلت لجنة ثانية فوصل العدد إلى 1200، ثم لجنة ثالثة فوصل إلى 3000 عائلة ما دفع الدولة إلى غضّ النظر عن المكان نظراً إلى إرتفاع كلفة التعويضات والترميم، ولكن اللافت في الأمر أن قاطني الثكنة وأغلبهم من القريبين من “حزب الله”، إنتقل الكثيرون منهم إلى منازل قاموا بتشييدها وأجّروا الشقق التي يضعون اليد عليها للّاجئين السوريين.
وبصرف النظر عن المكان، بدأ العمل لانتقاء مكانٍ آخر فتعدّدت الطروحات، تارةً أرض بالقرب من نقابة المعلمين في رأس العين، وتارة أخرى مقايضة قيادة الجيش على أرض مقابل ثكنة الشيخ عبدالله إلا أنّ الأخيرة رفضت، وتالياً على طريق عين بورضاي حيث تبرّع أحد المواطنين بأرضٍ هناك وكانت الأمور شبه منجزة، غير أن “خفايا” دفعت إلى العدول عن الفكرة، حتى جاء القرار باعتماد الجرود لأهداف مجهولة ـ معلومة لا تصب إلا في خانة المصلحة الحزبية.
بسحر ساحر تحوّل مطلب نواب بعلبك ـ الهرمل من إعتماد ثكنة غورو مركزاً للمحافظة العام 2001 إلى البحث عن بديل آخر حيث صدر قرار في حينه يحمل الرقم 34/2001 لاعتماد الثكنة مقراً، هؤلاء النواب غابوا عن جلسة مساءلة من قبل المواطنين في الهرمل أمس ولم يحضر إلى هناك سوى النائب أنطوان حبشي.
لم يهتم “حزب الله” المتحكّم بقرار بلدية بعلبك والمحافظة ككل بمطالب الناس وحاجاتهم، هؤلاء الناس الذين يعيشون على وقع إطلاق النار اليومي في المدينة والمتساقط فوق رؤوسهم، وعلى حافة شفير الإنهيار الإقتصادي بسبب الركود الذي تعيشه المدينة والوطن ككل، فمعظم أصحاب المحالّ إستدانوا أموالاً بالفائدة لتسيير أمورهم وأملاً بفرج قريب، حتى وقعوا ضحية أولئك التجار الذين وضعوا اليد على عدد من المحالّ بعد عجز أصحابها عن التسديد، كل هذا ولم يشفع للناس عند “حزب الله” لاعتماد مركز المحافظة في المدينة لإنعاشها وتحريك السوق التجاري واستعادة نشاطه من خلال القادمين من خارج المدينة، أما اعتماد الجرود فهو يقضي على الإقتصاد داخل المدينة نهائياً، غير أن “حزب الله” يتذرّع دائماً وأبداً بأن السوق التجاري وداخل المدينة أصبحا غير قادرين على استيعاب تلك الزحمة ولا بدّ للمدينة من أن تتوسع.
منذ عشرة أيام حصل لقاء جمع أبناء المدينة وفاعلياتها مع وزيرة الداخلية ريا الحسن، حيث شرح الأهالي تداعيات القرار بإنشاء المحافظة في الجرود مطالبين باعتماد ثكنة غورو، لكن الوزيرة الحسن تتمهّل قبل البت في القرار في ظل الحملة على اللاجئين السوريين لا سيما أن عدداً كبيراً من قاطني ثكنة غورو منهم.
ضياع البتّ في قرار إنشاء مركز المحافظة وإلهاء الناس في قضايا أخرى قد يكونان من ضمن سياسات “حزب الله” لتمرير المشروع بأقلّ الأضرار الممكنة، واستيعاب نقمة الناس وتمرير مشاريعهم التي ليس فيها أي صالح عام بل مصالح حزبية وفئوية.