كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:
رفع الضريبة على فوائد الودائع من 7 الى 10 في المئة، من الركائز الثلاث التي اعتمدت عليها الدولة لتمويل العجز. إلا أن هذه الضريبة التي أدرجت في المادة 30 من قانون الموازنة، أعفت “اليوروبوندز” أي سندات الخزينة المقومة بالعملات الصعبة، من هذه الزيادة. مفاعيل هذا الإجراء لا تقتصر على خسارة الخزينة ما يفوق الـ 300 مليار ليرة، إنما تدفع إلى تراجع الطلب على سندات الليرة، التي تخضع لضريبة الـ 10 في المئة، من قبل المستثمرين لمصلحة السندات بالعملات الاجنبية، وهو ما سيجبر مصرف لبنان المتخم بسندات الليرة على شراء المزيد منها لاستمرار تمويل مصروف الدولة.
لغاية نهاية آذار من العام الحالي بلغت نسبة ما يحمله مصرف لبنان من الدين العام المقوم بالليرة 51.1 في المئة، فيما تحمل المصارف التجارية ما نسبته 34.1 في المئة من سندات الخزينة أو ما يعادل 17.9 مليار دولار، ويَحمل المستثمرون من خارج القطاع المصرفي مع الضمان الإجتماعي النسبة الباقية المقدرة بـ 14.4 في المئة.
“سياسة التعطيش” تُجفف البلد
إرتفاع قيمة الدين بالعملة الوطنية لأي دولة في وضع طبيعي، يعتبر مؤشراً إيجابياً وسليماً من الناحية الإقتصادية. وهو يخفف على الإقتصاد مخاطر الإستدانة بالعملات الأجنبية، والعجز عن الإيفاء بسبب النقص في العملة الصعبة. أما على الصعيد الداخلي، فان الدور الذي يلعبه مصرف لبنان بتغطية العجز عبر الإكتتاب بسندات الليرة، يدفعه في المقابل إلى “تعطيش السوق إلى السيولة”، بحسب الخبير الإقتصادي دان قزي. فالاكتتاب الذي يغطى بهندسات مالية أو بطباعة المزيد من العملة يؤدي إلى ضخ كمية كبيرة من الأموال في الأسواق، وهو ما يدفع إلى أمرين خطيرين، الأول، زيادة الطلب على السلع، التي بأغلبيتها مستوردة، وهو ما يخلق بالاضافة الى التضخم، عجزاً في ميزان المدفوعات. أما الخطر الثاني، فهو تحويل نحو 70 في المئة من العملة اللبنانية “المفلوشة” في السوق الى دولار، وخروجها عبر العمليات التجارية والسياحية والخدمات وغيرها. وبالتالي فإن مخاطر سياسة “التعطيش”، بحسب قزي، بدأت تظهر في أسلوب الدولة والمؤسسات في عصر النفقات، وتراكم الإستحقاقات المالية عليها، سواء للمستشفيات الخاصة والحكومية او للمقاولين وموردي الخدمات والصناديق الضامنة، والمتعاقدين وغيرهم.
وهو ما يخلق بالاضافة الى خنق الإقتصاد، الكثير من المشاكل الاقتصادية والفقر والبطالة وعجز المؤسسات عن الاستمرار.
دوامة الإستدانة وارتفاع الفوائد
هذا العجز، الذي يقسم مثالثة على خدمة الدين، والقطاع العام المتضخم، والكهرباء، يفرض على مصرف لبنان بوصفه إحدى مؤسسات الدولة التمويلية، مع تجاهل دوره الأساسي كرأس السلطة النقدية والمسؤول عن استقرار العملة والفوائد وسلامة القطاع المصرفي وحمايته. ففي كل مرة تعجز الدولة عن سداد مستحقاتها الأولية أو الأساسية تلجأ إلى المركزي الذي يعيد إقراضها بالليرة، بفائدة متدنية جداً مقابل إضطراره لدفع فوائد مرتفعة على الإيداع، وهو ما يشكل استنزافاً لموارد “المركزي” وضغطاً كبيراً على القطاع الخاص وتقلص الإستثمارات، “فهذه السياسة تدفع إلى تقديم فوائد مرتفعة جداً، لامتصاص السيولة من جهة، وتحفيز المودعين من جهة أخرى. وبالتالي تتخطى الفوائد كل السقوف المنطقية، وتعرض الإقتصاد والبلد الى خطر حقيقي”، يقول الخبير الإقتصادي غسّان شمّاس.
الخطر على سعر الصرف
عجز الدولة وشهيتها المفتوحة على الإستدانة واستمرار اعتماد سياسة تثبيت سعر صرف العملة، أصبحا كفكي كماشة يطبقان على ما تبقى من إقتصاد وطني. وهو ما سينعكس صعوبة في المحافظة على استقرار سعر صرف العملة مقابل الدولار. وبحسب شماس فإن “تثبيت سعر صرف العملة على فترات طويلة، يُفترَض أن يكون في ظلِ اقتصادٍ منتج ومصدّر، او من خلال الإستمرار في الإستدانة. ونحن في لبنان نعتمد مع الأسف على الخيار الثاني”. ويضيف أنه “في حال تراجع قدرة الدولة على الإستدانة يصبح الإستمرار في تثبيت سعر صرف العملة في خطر. إذ أن المصرف المركزي يضطر الى طبع الأموال، وهو ما يؤدي الى إرتفاع التضخم وفقدان العملة لقيمتها الشرائية. وهناك الكثير من الأمثلة التي ادت الى إنهيار العملة في كلٍ من فنزويلا، تركيا، مصر واليونان وغيرها”.
تمويل الدولة من خلال الضرائب العشوائية، بدل الضرائب الفعالة والعادلة واعتماد سياسة الفوائد المرتفعة والمدعومة أصبحا يشكلان خطراً مزدوجاً، فالضرائب تقوض القدرة الشرائية وترهق القطاعات الإنتاجية والتجارية والخدماتية، فيما زيادة الطلب على التمويل ستدفع إلى طباعة العملة أو الى جذب المزيد من الودائع، بمغريات الفوائد المرتفعة… وفي كلتا الحالتين تبقى النتيجة واحدة، زيادة المخاطر السيادية.