سُحب فتيل الازمة التي نشأت منذ ايام قليلة حول الموازنة، وعُطّل صاعقها في شكل شبه نهائي من خلال الزيارة التي قام بها اليوم وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي الى عين التينة، موفدا من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
أما الصيغة التي أَنزلت التيار “الوطني الحر” عن الشجرة العالية التي صعد اليها بعد رفضه ما اعتبره “تهريب” المادة 80 في الموازنة- والتي تنص على حفظ حقوق الناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية، كون أعدادهم لا تراعي التوازن الطائفي، وفق ما قال رئيس التيار الوزير جبران باسيل،-هذه الصيغة أتت على الطريقة “اللبنانية” على قاعدة “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”، وفق ما تقول مصادر سياسية “سيادية” لـ”المركزية”.
فهي رفعت الحواجز من امام اقرار الموازنة التي جزم جريصاتي اليوم ان الرئيس عون سيوقّعها، من جهة، وأُرفقت من جهة ثانية، بتوافق بين بعبدا وعين التينة، على توجيه الاولى، رسالة الى مجلس النواب بواسطة بري، لتفسير المادة 95 من الدستور، التي تتحدث عن التوزيع الطائفي للمناصب والوظائف في الدولة، حيث يعتبر كثيرون ان المناصفة معتمدة فقط في وظائف الفئة الاولى، أما المعيار في كل الفئات الاخرى، فهو الكفاءة لا غير، في وقت سيتولى نواب في تكتل “لبنان القوي” اعداد قانون معجل مكرر لإلغاء المادة 80 او أنهم سيطرحون ذلك في موازنة 2020.الحاجة الملحة الى اقرار الموازنة عشية حضور وفود من شركات التصنيف الائتماني العالمية الى بيروت في الايام القليلة المقبلة، لتقويم وضع لبنان الاقتصادي – المالي، قد تكون “شفعت بنا” هذه المرة، وساهمت في معالجة الازمة الناشئة وتطويق ذيولها سريعا، تتابع المصادر، والا فإنها كانت لتتسبب باشتباك بين الرئاستين الاولى والثانية، (والثالثة أيضا)، يعلم الله الحجم والمدة اللذين كان يمكن ان تأخذهما.
المصادر تضع موقف “التيار الوطني الحر” في خانة محاولة تحقيق نقاط شعبوية، لا أكثر. ففي رأيها، “البرتقالي” يدرك جيدا ان نتائج المباراة أتت، في الشكل الذي أتت عليه، نتيجة إحجام “المسيحيين” عن الدخول الى الدولة، لعدم ثقتهم بها. وتضيف: كان حريّا بمن يمسك بالسلطة وزمامها منذ سنوات، أن يعمل على إصلاح “صورة” هذه الدولة “المعطوبة” لدى الرأي العام عموما و”المسيحي” خصوصا، بدلا من التباكي على غياب المناصفة.
وتتابع “الوزير باسيل يحاول تحقيق بطولات في معارك “هامشية” وثانوية” في ميدان كبير وواسع اسمه “الحفاظ على الوجود المسيحي في لبنان”. فبقاؤهم في أرضهم وثباتهم فيها، لا يكونان بإدخال موظف من هنا أو هناك الى هذه الادارة او تلك المؤسسة الرسمية، بل بقيام الدولة القوية والقادرة، التي تبسط سيادتها من دون اي “معاون” أو شريك “مضارب”، على أراضيها كافة. كما ان الطريق الفعلي لصون الوجود المسيحي يكون، بالتمسك باتفاق “الطائف” من خلال التحالف مع كل فريق سياسي في الداخل، يرى المعادلة التي أرساها خاصة من الناحية الديموغرافية: “وقّفنا العدّ” نهائية وأساسية، وينظر الى لبنان كوطن نهائي لجميع ابنائه، لا كساحة أو “صندوق بريد”. ويحصل ذلك ايضا، عبر الشروع في ورشة اقتصادية واسعة تضع خريطة طريق للخروج من الازمة التي تمزّق البلاد وتدفع الشباب الى الهجرة، وتؤسس لنمو حقيقي ومستدام، عبر محاربة الفساد وتطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص…
أما كل ما عدا ذلك، والتركيز على المطالبة بموظف وبمركز، فمَراهم سطحية لا علاقة لها بتحدّي بقاء المسيحيين في بلدهم، تختم المصادر.