تقدّمت 11 منظمات حقوقية وثقافية بإخبار لدى النيابة العامة التمييزية، طالبةً منها مباشرة التحقيقات مع أشخاص وجهات سياسية حرّضت علنًا على العنف ضد فرقة “مشروع ليلى”. والمنظمات الموقّعة هي: جمعية المفكرة القانونية، جمعية كلنا إرادة، الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات، مؤسسة سمير قصير، نواة للمبادرات القانونية، جمعية زقاق الثقافية، مؤسسة مهارات، منظمة تبادل الإعلام الاجتماعي، المؤسسة العربية للحريات والمساواة، منظمة العفو الدولية، وبيروت مدينتي.
وأفادت “المفكرة القانونية” بأن وفدًا من المنظمات الموقّعة اجتمعت مع النائب العام التمييزي بالإنابة القاضي عماد قبلان “شرحوا خلاله خطورة تمادي خطاب الحقد والكراهية ضدّ كلّ ما هو مختلف في لبنان وضرورة أن تتصدى لها السلطات العامة للدولة، وفي طليعتها النيابات العامة”. وأضافت: “قد تسجّل الإخبار في قلم النيابة العامة التمييزية واتخذ القاضي قبلان قرارًا بإحالتها على النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان لمباشرة التحقيقات”.
واعتبرت المنظمات الموقعة أن هذه الأفعال تقع بشكل خاص تحت عدد من أحكام قانون العقوبات، أبرزها الآتية:
– حرمان مواطنين لبنانيين من ممارسة حقوق مدنية سندا للمادة 329 من قانون العقوبات: إذ من الثابت أن من شأن حملة التحريض والتهديد الحاصلة بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي أن تشكل إعاقة لممارسة أعضاء فرقة مشروع ليلى لحقوقهم المدنية، وأبرزها حرية الأداء الفني في إحياء حفلة ضمن مهرجان جبيل وبشكل أعم التعبير. والحقوق المعتدى عليها هنا ليس فقط حقوق الفرقة إنما أيضا حقوق جمهورها بحضور الحفلة أيضا والاطلاع على الأعمال الفنية، وكلها حقوق تضمنها المادة 13 من الدستور والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تشكل جزءا لا يتجزأ من الدستور بموجب مقدمته. كما تمس من حق الخصوصية المكرس في المادة 14 من الدستور والمادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
– التهديد بارتكاب جنايات وجنح سندا للمادتين 574 و577 من قانون العقوبات: إذ برزت تهديدات مباشرة بارتكاب العنف المباشر لمنع الحفلة. وقد وصل الأمر إلى حد إهدار دم أعضاء فرقة ليلى. وتشكل هذه التهديدات تهديدات بارتكاب جناية القتل (المادة 549 من قانون العقوبات) والإيذاء، وبارتكاب جناية المادة 308 من قانون العقوبات أي “الاعتداء الذي يستهدف إما إثارة الحرب الأهلية أو يعاقب بالأشغال الشاقة مؤبدا الاقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو بحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الآخر وأما بالحض على التقتيل والنهب في محلة أو محلات”. كما تشكل تهديدا بارتكاب أعمال إرهابية تشكل هي الأخرى جنايات بمفهوم المادة 315 من قانون العقوبات.
– إنشاء جمعية سرية بهدف القيام بجنايات سندا للمادتين 335 و337 من قانون العقوبات: إذ من البين أن الأشخاص الذين شملهم هذا الإخبار يحرضون على القيام بجنايات وجنح، أقله بأعمال غير مشروعة.
– إثارة النعرات والنزاع ضد عناصر الأمة سندا للمادة 317 من قانون العقوبات: إذ من الواضح أن التهديدات لم تطل الفرقة فقط بسبب أعمالها الفنية، إنما أيضا لما تمثله من دفاع عن حقوق المثليين والأقليات. ونستشفّ من ذلك من تهديدات بتصنيف أعضاء الفرقة ضمن الشياطين اللوطيين. وهذا ما يشكل إثارة ضد جميع الأشخاص المثليين ويهدد وجودهم على الأرض اللبنانية، ما لم تسارع النيابة العامة إلى تطويقه. ولا يرد على ذلك أن عناصر الأمة تعني فقط الطوائف المعترف بها قانونا، طالما أن لا مجال للتمييز بين الجماعات حيث لم يميز النص.
وقد جاء في مقدمة الإخبار من باب تأكيد خطورة الجرم، الآتي:
“نشهد منذ فترة تطور ظاهرة لم يألفها لبنان سابقا ولا تنسجم لا مع دستوره ولا مع تعدديته البنيوية ولا مع الصورة التي غالبا ما سعى لإبرازها عن ذاته. قوام هذه الظاهرة تنامي خطاب الحقد والكراهية ضدّ كلّ ما هو مختلف، واستخدام الفضاء العامّ والشارع للتشهير بهذا المختلف وإصدار أحكام ضده غالبا ما تؤدي إلى شيطنته على أساس وقائع محوّرة وغير صحيحة، والتحريض ضده وتهديده وترهيبه ومنعه من ممارسة حقوقه المدنية، وصولا إلى اصطناع بيئة تخويفية ضاغطة، يفقد معها امكانية التمتّع بأيّ حق من حقوقه المدنية، أولها شعوره بالحد الأدنى من الأمان والقدرة على العيش في وطنه. وما نسجّله أيضا هو أن هذه الممارسات تتخذ مؤخرا منحى تصاعديا تنافسيا، بحيث باتت كل عصبة تجهد لتعزيز الطابع التخويفي والترهيبي لتدخّلاتها ضدّ كل من تسوّله نفسه المسّ بما تراه هاماً، كأنما أهمية القيم والمعتقدات تُقاس ليس بمضمونها أو بالقدر الذي تريده الدولة، إنما بما يترافق معها من ممارسات ترهيبية وتخويفية بهدف فرضها.
ولعل آخر تجليات هذه الظاهرة، هو خطاب الغضب والحنق ضدّ “فرقة مشروع ليلى” على خلفية إدراجها ضمن برنامج “مهرجانات بيبلوس الدولية” وقرب موعد حفلتها في 9 آب القادم، والذي بلغ مستويات استثنائية من التشهير والشيطنة والتحريض والتهديد بما ولّد حول الفرقة وأعضائها وجمهورها بيئة تخويفية ضاغطة، أصبح معها الأداء الفني منقوصا وشبه مستحيل. وأخطر ما في هذا الخطاب، أنه استند إلى رسم شاركه share أحد أعضائها على صفحته الخاصة في سنة 2015 وإلى بعض العبارات الواردة في أغنيتين أنشدتهما الفرقة في 2015 في جبيل من دون أن يؤديا إلى أي حساسية آنذاك.
ومن أخطر ما يتولد عن هذه الظاهرة، الأمور الآتية:
– تنامي مستويات التعصّب ومعها مشاعر اللاتسامح والكراهية والاستقطاب، بما يهدد السلم الأهلي والتعددية البنيوية في لبنان،
– إضعاف مؤسسات الدولة وفي مقدمتها القضاء ومعه مفاهيم المحاكمة العادلة، بعد استئثار الشارع والعصبات مهمة الملاحقة والمحاكمة وإصدار الأحكام وتنفيذها، في كل ما قد يثير لديهم أي حساسية مهما كانت هذه الحساسية مبالغا بها،
– تعريض كل من هو مختلف لمخاطر العنف على اختلافها وبشكل أعمّ جعله في وضع هشاشة وصولا إلى تهميشه أو تهجيره، مع ما يستتبع ذلك لجهة خنق الحريات الفردية وفي مقدمها حرية الإبداع.
تبعا لذلك، نتبين بوضوح المخاطر الكبيرة الناجمة عن تطور هذه الظاهرة.
ومن الطبيعي في ظل تنامي ظاهرة كهذه وعلى ضوء المخاطر الناجمة عنها، أن تتصدى لها السلطات العامة للدولة، وفي طليعتها النيابات العامة، وذلك من منطلق مسؤوليتها في ضمان حسن سير عمل مؤسسات الدولة والتصدي لأي محاولة لاستئثار أي فئة بأي من سلطاتها، وأيضا مسؤوليتها في ضمان تمتع جميع المواطنين، من دون تمييز، بحقوقهم المشروعة، وفي مقدمتها الحق بحماية أشخاصهم وحريتي التعبير والمعتقد والحق باللجوء إلى قضاء مستقل ومحايد وفعّال والتمتع بضمانات المحاكمة العادلة. أما أن تستدعي النيابة العامة أعضاء فرقة مشروع ليلى، الذين هم ضحايا أعمال التهديد والتحريض والترهيب كافة، من دون استدعاء المسؤولين عن هذه الأعمال، فإنه يشكل تخليا عن دورها في حماية المؤسسات العامة والمواطنين على حد سواء وانقلابا على صعيد سلم الأولويات والقيم.
وعليه، ومن منطلق حرصنا على المساواة ودولة القانون ودور القضاء، جئنا نتوجّه إلى النيابة العامة التمييزية طالبين منكم التفضل بالتصدي لهذه الظاهرة، بما فيها من تمرد ضد القانون وخروج عن منطق المواطنة والدولة، آملين منكم الاستجابة على نحو يعيد إلى فئة واسعة من الناس شعورهم بالأمان ويؤمن لفئة واسعة من الفنانين الحدّ الأدنى اللازم من الشروط للخلق والإبداع”.