ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذبيحة الإلهية في باحة دير مار مارون – مجدل المعوش، عاونه راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر، الرئيس العام للرهبنة اللبنانية المارونية الاباتي نعمة الله الهاشم، ورئيس دير مار مارون الأب سمير غاوي.
وأشار الراعي، في عظته، إلى أن “دير مار مارون هذا ومدرسته عرفا موت الحرب والدمار، لكنهما بهمة الرهبانية اللبنانية المارونية الجليلة، وتمسكها بحضورها ورسالتها وتاريخها في هذه المنطقة، قاما من الركام بحلة جديدة، من أجل خدمة روحية وراعوية وتربوية تعطي ثمارا أوفر. واتخذت الرهبانية في هذا السياق منذ سنتين القرار بتعليم تلامذة الجبل من دون أي قسط لتثبيتهم فيه، حيث تاريخهم وتقاليدهم. كما قررت الرهبانية مشكورة دعم المدرسة وتطويرها ورفع مستوى التعليم فيها، مؤمنة لطلابها النجاح الأفضل في العلوم الجامعية. وهكذا فعلت في مناطق أخرى من لبنان، هدمت فيها أديارها ومؤسساتها فرممتها وطورتها من أجل خدمة أفضل وأشمل، وأمنت هكذا المزيد من فرص العمل، وزرعت الأمل في النفوس، والطمأنينة في القلوب. وهذا ما فعلته أيضا الرهبانيات الأخرى والأبرشيات”.
وسأل: “ماذا ينقص المسؤولين السياسيين في الدولة لكي يحذوا حذوها، وفي عهدتهم المال العام وكل مرافئ الدولة ومرافقها وإمكانية التعاون مع الدول والمؤسسات الدولية لاقتراض المال اللازم والإفادة من التسهيلات العالمية للقيام بالمشاريع الإقتصادية المنتجة؟”، وقال: “بسبب إهمالهم والفساد المالي المستشري في صفوفهم وهدر المال العام، افتقر الشعب، وعلا صراخهم، وتحطمت آمالهم. هذا، وعلى أرض لبنان مليون ونصف نازح من الإخوة السوريين يسابقون اللبنانيين على كسب لقمة العيش بجميع الطرق. وها الإخوة اللاجئون الفلسطينيون يتظاهرون وينتفضون، عندما أرادت وزارة العمل تطبيق القانون الذي يؤمن لهم وللبنانيين سبل العمل في ظروف اقتصادية شديدة الخطورة على الجميع. فالمطلوب عدم تسييس هذا الموضوع واستغلاله، حفاظا على القضية الفلسطينية الأساس التي نناضل معهم من أجلها”.
وأضاف: “إن مبادرة الرهبانية الحميدة في هذا الدير وهذه المدرسة شددت أواصر المصالحة في الجبل، وجسدتها في الأفعال. وبهذا أعطت الرهبانية نموذجا في كيفية تحقيق المصالحة المنشودة على أرض الواقع. إن المصالحة حصلت بكينونتها في مطلع الألفين، لكن صيرورتها تقتضي عيشها وتحقيقها يوميا بمبادرات، وبخاصة بالمشاركة في المسؤوليات العامة، وفي إدارة مؤسسات الدولة على أنواعها، وفي المطالبة بما ينقص من مثيلاتها في المنطقة، وفي تطبيق قاعدة المشاركة المتوازنة فيها. هذا فضلا عن وجوب السعي إلى إنشاء مشاريع إنمائية خاصة وعامة تؤمن فرص عمل”.
وتابع: “لقد آلمتنا جدا في الصميم، كما آلمت كل اللبنانيين، حادثة قبرشمون التي وقعت في أول تموز ووترت الأجواء الأمنية والسياسية، وأيقظت المخاوف وعطلت جلسات الحكومة، وشلت حركة الدولة، وأنزلت خسائر اقتصادية ومالية في الدولة، وبترت حركة السياحة، وأفقدت لبنان ثقة شعبه وثقة الدول به. وجاءت بكل أسف الحادثة الثانية في البساتين لتعيد مساعي الخير إلى نقطة الصفر. لا يمكن الاستمرار في هذه الحالة، بل يجب إيجاد الحل بالعودة إلى الدستور نصا وروحا، مهما اقتضى ذلك من تضحيات في الرأي والموقف والرؤية السياسية والمصلحة الخاصة، تطبيقا لنهج “حبة الحنطة”. أجل، من التضحية تولد الأمور الكبيرة، وأولاها خلاص لبنان كيانا وشعبا ومؤسسات، ونهوضه الاقتصادي والمالي والإنمائي والاجتماعي. وكم نود أن تكون المصالحة الداخلية في الجبل، مع الالتزام بمقتضياتها نموذجا لسائر المصالحات السياسية في مختلف المناطق وعلى مستوى الوطن ككل. كيف نستطيع أن نتغنى بالعيش المشترك والنظام الديمقراطي والوحدة في التعددية، فيما الخلافات والإنقسامات تتفاقم، وعمليات الإقصاء والاستبعاد والاستئثار جارية خلافا لقاعدة التعددية في الوحدة والمشاركة المتوازنة في إدارة شؤون الدولة”؟
وختم: “إذا حافظ المسؤولون السياسيون على هذه القاعدة المبنية على الدستور والميثاق الوطني الذي جدده ميثاق الطائف، سلكوا حقا الطريق الآمن والسليم إلى بناء الدولة وحماية الوطن. وما عدا ذلك نظل نتخبط في الظلمة، والدولة تتقهقر بكل مقوماتها ومكوناتها”.
حضر القداس ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون النائب فريد البستاني، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب هنري الحلو، ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الوزير السابق غطاس خوري، وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان، النواب: تيمور جنبلاط، ميشال موسى، إيلي عون، بلال عبد الله، جورج عدوان ونعمة طعمة، المدير العام للجمارك بدري ضاهر، قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور،قائمقام الشوف مارلين ضومط، رئيس فرع مخابرات جبل لبنان العميد كليمان سعد وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية واجتماعية وبلدية واختيارية.