كتبت سناء الجاك في صحيفة “نداء الوطن”:
هل تأخر رئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط عندما تحدث عن “نظرية داخلية يقودها (الوزير) جبران باسيل، تقوم على مبدأ تحطيم اتفاق الطائف”؟
أم أن التنكيل بهذا الاتفاق الذي كان يفترض ان يطوي صفحة الحرب الأهلية الى غير رجعة بدأ منذ اللحظة الأولى لمنع تطبيقه بموجب تسليم لبنان الى الوصاية السورية برضى إقليمي ودولي؟
الواقع يصح على الاحتمال الثاني الذي حال دون ترجمة الوفاق الوطني في الحياة السياسية اللبنانية. ومع الأسف منذ تسعينات القرن الماضي لم يُطرح الموضوع الا من باب الغرضية. فمن لم يكن ينال غرضه من السلطة لا يجد سبيلاً الا المطالبة بتنفيذ اتفاق الطائف على أمل أن يقف من يدير البلد على خاطره ويدخله ملكوته.
لكن الغرض مرض. والمرض الذي فتك بالاتفاق منذ ولادته، وبدأ التصويب المباشر على بنوده للحؤول دون تطبيقها تمهيداً لإردائه. ولعل المحاولة الفعلية والفعالة لاغتياله جاءت مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بصفته عرابه ومهندس حديقته الخلفية.
ومع “ثورة الأرز” التي خالفت توقعات من أراد لجريمته ان تبقى ملفاتها في الادراج، جُهزت الخطط البديلة لتسريع وتيرة إعادة البلاد والعباد الى قوقعة المذهبية الحادة. فعادت المتاريس الى النفوس، وتبرع أصحاب الغرض بصب الزيت على نار رفض الآخر والتخويف منه والاستقواء عليه.
وبين أزمة وأخرى واغتيال وآخر وتشنجات وتسويات، كان جسد اتفاق الطائف يموت شيئاً فشيئاً، ولم يجد من ينعشه. فكل فريق من أفرقاء الصراع على السلطة كان يسعى الى انعاش شعبويته وحصته في جبنة السلطة، بمعزل عن انقاذ الاتفاق الذي كان يفترض ان ينقل لبنان من المزرعة الى الدولة.
وها نحن اليوم في حال تجعلنا نتحسر على المزرعة، في حين تصم أذاننا نغمة “حماية الأقليات” وتحالفها على حساب دولة المؤسسات وسيادتها، وتعمينا عن جثة اتفاق الطائف المرمية على قارعة المتغيرات الإقليمية، لا أحد يلتفت اليه او ينتبه الى عجزه عن التقاط أنفاسه، يذوي وتذوي معه احتمالات بقاء لبنان بأسره على قيد الحياة.
نعود الى السؤال الأول: هل تأخر وليد جنبلاط بسؤاله عن إتفاق الوفاق الوطني؟ أم أنه أطلق إشارة تحذير الى رفاق تلك المرحلة، وكأنه يذكرهم بأن دورهم سيلي دوره؟ هل يقود باسيل نظريته الداخلية مستقلاً عن الخارج الإقليمي ام أنه يدفع سلفاً فاتورة سيُحصِّل مفاعيلها لاحقاً؟
هل تنفع مقولة: ان تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً؟
هل تفيد المسارعة الى الاستعانة بالاوكسيجين لإنقاذ جثة الطائف؟