كتب آلان سركيس في “نداء الوطن”:
شكّلت القمّة الروحيّة التي عُقدت في دار طائفة الموحّدين الدروز في فردان أمس، مناسبة للتأكيد على العيش المشترك و”إعادة الروح” إلى العمل الحكومي وتفعيله وحفظ الأمن والإستقرار.
كل شيء في فردان كان إستثنائياً، التدابير الأمنية حول المقرّ، القمّة التي ستُعقد وتضمّ مختلف رجال الدين المسيحيين والمسلمين، الرسائل السياسية والوطنيّة التي حملتها القمّة، نوعية الحضور، وحدها زحمة السير “الخانقة” لم تكن إستثنائيّة.
منذ الصباح الباكر والتحضيرات تجرى في دار الموحّدين من أجل عقْد هذه القمّة التي اعتبرها البعض قمّة لفكّ الحصار عن رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط ومِن خلْفه الدروز، خصوصاً أن هناك رهاناً عليها لأن الوضع اللبناني بلغ منزلقاً خطيراً وبات من الضرورة أن تجتمع العائلة اللبنانية الروحية لتخرُج بصورة موحّدة تدل على أن العيش المشترك مُصان، وأن الفتنة وإن أطلّت برأسها من الجبل فإن هناك من لا يزال يعي خطورتها ويواجهها، وأن الإستمرار بهذا النهج سيؤدّي حتماً إلى هلاك البلاد والعباد.
قرابة الساعة الحادية عشرة قبل الظهر بدأ المدعوّون بالتوافد، وعند الحادية عشرة والربع وصل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وصعد درج الدار وخرج شيخ العقل نعيم حسن لاستقباله وسط حفاوة لافتة تدلّ على أهمية موقع البطريرك، وتقديراً للمواقف التي اتّخذها تجاه الدروز عموماً وجنبلاط خصوصاً، وهو الذي سعى إلى جمع الدروز سابقاً، وأكّد أن المصالحة التي تمّت في الجبل “كنز يجب الحفاظ عليه وصونه”، من ثمّ وصل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي كانت له مواقف ثابتة مما حصل في الجبل، واكتمل النصاب نحو الساعة الحادية عشرة والنصف.
وبالنسبة إلى تمثيل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، فقد أكدت مشيخة العقل أن الشيخ عبد الأمير قبلان تغيّب لأسباب صحّية وليس لأسباب سياسية، وقد مثّله نائب رئيس المجلس الشيخ أحمد الخطيب.
دخل الجميع إلى قاعة الإجتماع المستطيلة، وجلس الشيخ حسن وإلى يمينه البطريرك الراعي وإلى يساره المفتي دريان، وتوزّع القادة الروحيون إلى جانبهم على الطاولة.
وبعيداً عن الشكليات، إستعاد الشيخ حسن، الذي تعيش طائفته ظروفاً إستثنائيّة، مشهد بكركي في أيلول 2000، ويعلم حسن أن البلاد تعيش ظروفاً حرجة وسط تحذير الجميع من الإنهيار، كذلك، فإن الإنقسام بلغ ذروته داخل طائفة الموحّدين في ظاهرة نادرة لا تحصل مهما بلغت “الحزازيات” وكبرت الخلافات.
ومثلما وجّهت بكركي نداءً إستثنائياً العام 2000 داعية إلى تطبيق “إتفاق الطائف” وخروج الجيش السوري من لبنان، وجّه الشيخ حسن نداءً إستثنائياً أيضاً، إذ قال في كلمته: “نرفع معكم نداءً إستثنائياً في هذا الزمن الإستثنائي الصعب الذي تمرّ به بلادنا. نداؤنا هو نداء المسؤولية، ونداء المحبة، المسؤولية التي يجب على كل مسؤول من موقعه التحلّي بها قبل كل شيء، المسؤولية الوطنية والإنسانية التي بها فقط يتحقق الاستقرار وينقضي التعصب والاحتقان”.
وتطرّق حسن إلى وضع الحكومة والشلل الذي يضربها سائلاً: “كيف نضمن الإزدهار والتقدّم في ظل تعطيل عمل الحكومة ومحاصرة موقع رئاستها وشلّ اقتصاد البلاد، وكيف يكون الأمن والاستقرار في ظل عودة الخطاب إلى مآسي الماضي وأثقاله؟”.
ووجّه النداء أيضاً الى رئيس الجمهورية ميشال عون “لمنع كل ما يناقض صيغة العيش المشترك لأنه المسؤول الأول والأخير عن تحويل عهده الرئاسي إلى عهد إنتاج، وإلى جمع اللبنانيين تحت سقف هذه الثوابت”.
البطريرك الراعي وافق الشيخ حسن على كلمته، وهو الذي رأى أن مجرّد انعقاد هذا اللقاء والخروج بهذه الصورة يعطي إطمئناناً بأننا عائلة لبنانية واحدة، ووجّه نداء إلى رئيس الجمهورية لإنقاذ الوضع.
وحملت كلمة الراعي الكثير من المعاني والدلالات، إذ إنّه يرفض سياسة العزل والإنقضاض على أي مكوّن لبناني، وخصوصاً الدرزي، ويعلم الراعي خصوصية الوضع اللبناني عموماً ووضع الجبل خصوصاً، وهو لا يريد أن يُصاب شريك المصالحة بأي أذى، لأن الجبل لا يقوم إلاّ بجناحيه الدرزي والمسيحي، وأي إختلال في هذه التركيبة سيُصيب لبنان بأسره.
وتميّز المفتي دريان بخطابه، وهو الذي يرى أن الحديث عن صلاحيات رئيس الحكومة لوحده قد يثير عدم رضى البعض، لذا دعا إلى الوحدة الوطنيّة، والتمسك بالعيش المشترك والحفاظ على الدستور و”الطائف”، وطالب بحماية صلاحيات الرئاسات الثلاث وليس فقط صلاحيات رئيس الحكومة، لأنه يعتبر أن لبنان لا يسير في الإتجاه الصحيح إذا كان أحد المكوّنات يشعر بالغبن أو الإستهداف.
حاول المدعوّون قدر الإمكان الإبتعاد عن المسائل الخلافية والتركيز على الأمور التي تجمع، وكانت لافتة دعوة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إلى إجراء الحكومة اللبنانية حواراً مع الحكومة السورية لإعادة النازحين وتفعيل الملفات المشتركة، وكذلك ضرورة إجراء حوار بين السعودية وإيران.
وبعد كلمات عدد من القادة الروحيين، وُزّعت مسودّة البيان الختامي، وانصرف القادة إلى الإطلاع عليها وتنقيحها.
البيان الختامي
وأكد البيان الختامي للقمّة أن “الوحدة الوطنية التي نشأت بين العائلات الروحية اللبنانية تشكل الأساس الضامن لبناء لبنان الغد”. وأعلن المجتمعون “أن المطلوب إزاء التحديات المزيد من الوعي والتضامن الوطني لتجاوز المخاطر التي تتضاعف في ظل ما يحاك من مشاريع ومخططات تستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة”.
وشددوا على أن “عمل الحكومة حاجة ماسة للاستقرار والنهوض الاقتصادي، وندعو إلى إيجاد الحل المناسب والسريع لتستعيد البلاد حياتها الطبيعية”.
واعتبروا أن “أي إساءة إلى العيش المشترك في أي منطقة من لبنان وبخاصة في الجبل، هي إساءة إلى لبنان الفكرة والرسالة، تُعرّض حاضره ومستقبله للأخطار والأزمات. وإن إطلاق وصف الـ “كنز” على مصالحة الجبل التاريخية هو أبلغ تعبير عن أهميتها في أبعادها الوطنية والمعنوية والميثاقية والمستقبلية، وهو كنزٌ برسم الوطن من أقصاه الى أقصاه”.
ورفض المجتمعون “ما تتعرض له مدينة القدس والشعب الفلسطيني، وأكدوا تمسكهم بالقدس عاصمة للديانات السماوية ولن تنال منها إرتكابات الإحتلال الغاصب”.