كتبت راجانا حمية في “الاخبار”:
يناقش المجلس البلدي لمدينة بيروت، في جلسته اليوم، جدول أعمال من تسعة عشر بنداً وآخر مفتوح لـ«ما قد يستجدّ من قضايا». من بين البنود واحد كان قد «فجّر» جلساتٍ سابقة ولقاءات بين بعض الأعضاء ورئيس المجلس البلدي جمال عيتاني. يأتي البند ثامناً تحت عنوان «تلزيم صيانة وتأهيل بعض الأنفاق في بلدية بيروت»، مستبقاً أحد عشر بنداً آخر، وفي الوقت نفسه محدداً مسارها. فإما يتوافق عليه أعضاء المجلس ويمرّ ويمرّر الجلسة ببنودها، وإما «يطير» إلى جلسة لاحقة (وهو ما يستبعده بعض الأعضاء كون الصيانة باتت «أمراً ملحّاً») وإما… «يطيّر» الجلسة برمّتها. لا سيناريو واحداً لما سيحدث اليوم، في انتظار ما ستؤول إليه النقاشات. لكن الأكيد أن هذا البند سيكون «فاصلاً» سيتوقف عنده الأعضاء المعترضون على الكلفة التقديرية لعملية صيانة 12 نفقاً في العاصمة.
قصة «تأهيل الأنفاق» بدأت قبل عامين، عندما طُلب من الاستشاري («مكتب السيوفي») إعداد دفتر شروط لإطلاق مناقصة على أساسه. حدّد الاستشاري الكلفة بما يراوح بين 10,5 و12 مليون دولار بدل صيانة لمدة عامين، من ضمنها «مواد» التأهيل و«أتعاب» المتعهّد وكلفة الضريبة على القيمة المضافة. نال الدفتر موافقة الإدارة، قبل أن يطرح على طاولة المجلس، لينقسم الأعضاء حول الكلفة التقديرية، بين من اعتبرها «ضمن المعقول»، ومن شكّك في حدوث «تدخلات لدى الاستشاري لوضع أسعار معينة». طرفا الخلاف الأساسيان كانا عيتاني من جهة، ونائبه إيلي أندريا من جهة أخرى. اعتراض الأخير على الكلفة جاء على خلفية كونه مهندساً، وشغل منصب رئيس مصلحة الهندسة في البلدية لسنوات، قبل أن يُنتخب عضواً في المجلس.
في مثل هذه الحالات، كان يفترض برئيس المجلس البلدي أن يحيل الملف إلى «الإدارة» – مصلحة الهندسة تحديداً – لأخذ «المشورة» على الأقل. لكن ما فعله «الريّس» أنه «أرسل في طلب الإستشاري» الذي جدّد التأكيد أن الكلفة «تقديرية» وضمن «الراينج». بناءً عليه، أجريت المناقصة وفازت «شركة السروجي» بالتلزيم بكلفة 16 مليار ليرة. غير أن «الخلاف» لم ينته، وبقي السعر هو الفتيل القابل للاشتعال في أي لحظة. من هنا، كان القرار بإحالة الملف إلى «الإدارة» للتدقيق في الأسعار. غير أن ردّ «الادارة» الذي جاء في إحالة موقّعة من المحافظ زياد شبيب كان «دبلوماسياً بطريقة لافتة، إذ تجنّب البت واتخاذ قرار، وأعاد رمي الكرة في ملعب المجلس البلدي». وبحسب أعضاء في المجلس، فإن ما تضمنه الردّ «كان مجرّد تعليقات على بعض الأسعار، من دون أن تقيّم الكلفة الاجمالية. كما سأل عن إمكان إعادة النظر في بند الأشغال غير المرئية، وكذلك إعادة النظر في تلزيم تأهيل نفق شاتيلا، لكون قسم منه يتبع لبلدية الغبيري، علماً بأن ذلك لا يخفّض الكلفة أكثر من 3 أو 4%». إذاً، تجنّب المحافظ الحسم، خصوصاً أنه كان قد وافق على الملف سابقاً ومهره بتوقيعه، كما أن إعادة النظر في المناقصة تعني الدخول في دفتر شروط جديد مع كلفة إضافية، فضلاً عمّا يمكن أن يلحقه ذلك من انتقاص من صدقية المكتب الاستشاري.
من هنا، صارت المسؤولية أكبر على رئيس المجلس لفضّ الإشكال حول هذا البند، وسط حديث عن «حلول اقترحتها الإدارة يفترض أن تناقشها جلسة اليوم». النقطة الأساس في هذه الجولة أن ثمة خلافاً في وجهات النظر تُرك لأعضاء المجلس البلدي ولرئيسه حسمه. عيتاني، من جهته، يترك الأمور على سجيتها، مع «الحرص»، كما يؤكد لـ«الأخبار»، على الحفاظ على «مبدأنا القائم على: مقاول جيد بأقل سعر ممكن». ويلفت الى أنه سيطرح البند في جلسة اليوم «وكل من الأعضاء الـ23 درس الملف جيداً، وعلى أساس النقاشات سنأخذ القرار المناسب، مع الأخذ في الاعتبار أن لا شيء مقدساً، وأن الملف سيمرّ بديوان المحاسبة للتدقيق».