كتب طوني أبي نجم في صحيفة “نداء الوطن”:
رحم الله بطريرك الاستقلال الثاني مار نصرالله بطرس صفير الذي، وفي كل مرة كان يتم التهويل عليه بالمادة 95 من الدستور في مواجهة المطالبة بالانسحاب السوري، كان يرفع شعار “إلغاء الطائفية يكون من النفوس قبل النصوص”!
لكن، وللمرة الأولى منذ “الطائف” يتحول رئيس الجمهورية إلى موقع الهجوم في ملف المادة 95 من الدستور على خلفية الصراع حول المادة 80 من الموازنة، وبرسالته إلى مجلس النواب لتفسير المادة 95 معطوفة على الفقرة “ي” من مقدمة الدستور، إنما يراهن على إسقاط “فزاعة” هذه المادة التي طال استخدامها قبل أوانها الدستوري، في مواجهة حاملي رايتها لتبرير عدم التوازن على صعيد الناجحين في مجلس الخدمة المدنية، إذا إن قريبين من الرئيس ميشال عون يؤكدون أن نص المادة “يتحدث عن إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى، إنما في المرحلة الانتقالية التي تلي تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وليس قبل ذلك. وبالتالي فنحن لا نزال نعيش دستورياً وفق قاعدة المناصفة الكاملة والـ 6 و6 مكرر، ولا يجوز الإطاحة بالمناصفة على أي مستوى بانتظار الوصول إلى المرحلة الانتقالية”.
وإذا كان تطبيق الدستور واجباً بما فيه المادة 95 منه، فالدستور إياه يتضمّن مجموعة من المواد الدستورية التي تُعنى بسلطة الدولة وحصرية قرار الحرب والسلم بيد مجلس الوزراء. لكن الأهم يبقى في الفقرة “ي” من مقدمة الدستور التي تقول: “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”.
هذه الفقرة التي أسّس الثنائي الشيعي نظريته عليها لاعتبار أن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة غير ميثاقية لانسحاب وزراء الثنائي الشيعي منها اعتباراً من كانون الأول 2006، رغم أن لا نصّ دستورياً يقول ذلك. وهذه الفقرة التي يتم استعمالها عملياً بهدف تكريس المثالثة بالممارسة عبر الفيتو المذهبي، في تناقض صارخ مع جوهرها الميثاقي المكرّس لمبدأ المناصفة طائفياً بين المسيحيين والمسلمين لا المثالثة بين المسيحيين والسُنّة والشيعة، يحاول عون ومن خلفه الوزير جبران باسيل أن يقلبا سحرها على الساحر فيستعملانها للمرة الأولى في إطار “هجوم مسيحي” لاستعادة التوازن في الإدارات. أما السؤال الحقيقي فيبقى حول مدى التغطية التي يحظى بها رئيس الجمهورية للوصول إلى أهدافه الواضحة وإن غير المعلنة في مقابل حذر من أن يؤدي هذا الهجوم المفاجئ إلى استنفار طائفي مقابل يطيح بكل التوازنات القائمة!
وفي مقابل “الشراكة” السنّية – الشيعية – الدرزية في تمرير المادة 80 في الموازنة في مجلس النواب خلافاً للاتفاق السياسي الذي كان عقده الوزير باسيل مع كل من الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصرالله قبل الجلسة، مع الرئيس نبيه بري خلال الجلسة، تتفق “القوات اللبنانية” مع مطالب باسيل المتعلقة بالإصرار على المناصفة في كل الوظائف. ويقول النائب جورج عقيص لـ”نداء الوطن”: “نحن مع التوازن في الوظائف على كل المستويات قدر الإمكان وضد الخلل الفاضح في نتائج مجلس الخدمة المدنية، مع التشديد على أن الموضوع الحساس المتعلق بتطبيق المادة 95 لا يعالج بالمناكفات بل بحوار مسؤول للوصول إلى صيغة تضمن حقوق الجميع. صحيح لدينا الدستور في لبنان، ولكن أيضاً لدينا الصيغة والميثاق، وعلينا في كل خطواتنا أن نحرص على ألا ننتهك صيغة العيش المشترك”!
نعود إلى حيث بدأنا، رحم الله البطريرك صفير، نعم يجب إلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص. حتى ذلك الوقت، وحده التوازن يحيي قلب لبنان وجوهر صيغته وعلّة وجوده!