كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
على الرغم من التمريرة “النظيفة” التي حاولت الرئاسة الأولى تسديدها في “سجلّ التودد” تجاه الرئاسة الثالثة، من خلال التوقيع على قانون الموازنة العامة وملحقاته، بعدما كان اعتراض رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على المادة 80 من الموازنة، أثار استياء رئيس الحكومة سعد الحريري لضرره على الموازنة وتأخيرها… لا تشي الأحداث والتطورات أنّ أزمة الجبل انتهت تماماً.
جلّ ما طرح خلال الساعات الأخيرة هو محاولة لإنقاذ الحكومة من خلال فصلها عن مسار الأزمة، جراء العمل على اقناع الجميع بالجلوس إلى طاولة مجلس الوزراء، بعد ترك الخلاف خارج القاعة، على أن تتواصل التحقيقات وتقرر مصير القضية.
عملياً، تبحث القوى السياسية عمن “ينزلها عن الشجرة” بعدما حملت المواقف التصعيدية، المعنيين إلى السقوف العالية التي باتوا أسراها من دون أن يتمكنوا من إيجاد مخارج لائقة تسحبهم من عنق الزجاجة “منتصرين”.
هكذا، يطيب لرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط اللعب على حافة التوتير السياسي، كما يقول خصومه، بعدما أثبت، كما في كل مرة، أنّ مناخات التصعيد تعيد للمختارة وهجها الزعاماتيّ وتعوّض ما فاتها من تسرّبات ناجمة عن تحول “بيكها” إلى مجرد لاعب ثانوي، يعيش جمهوره على “فتات” الخدمات التي تقدمها السلطة، مقابل “حنفيات” مفتوحة أمام خصوم راحوا يقضمون يوماً بعد يوم من طبق زعامته.
في المقابل، بات رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني” طلال ارسلان، مكرهاً لا بطل في مواكبة التصعيد الجنبلاطي بتصعيد لا يقلّ عنه حدة. لا خيارات أمام “المير” سوى الإمساك بعصا المجلس العدلي بعد “تعرض وزيره صالح الغريب لاعتداء مسلح”. تقول أوساط قوى الثامن من آذار، إنّ الخيارات ضيقة أمام ارسلان، خصوصاً بعد نجاج جنبلاط في تعبئة الجو الدرزي لمصلحته، وبالتالي إنّ أي تراجع من جانب “المير” سيعرضه للمساءلة أمام ناسه ولاتهامه بالضعف والتراجع أمام ضغط المختارة. الأمر الذي لن يقوم به، أقله هكذا توحي مؤشرات الأيام الأخيرة.
ولذا، لا يمانع الطرفان في استخدام لعبة التصعيد حتى نفَسها الأخير، خصوصاً أنّ عهد الرئيس ميشال عون هو أكثر المتضررين من هذا الاستنزاف. ومن هنا تفهم الليونة التي أبداها رئيس الجمهورية في احدى المراحل حين بدا منفتحاً على خيار المحكمة العسكرية بناء على اقتراح الوزير سليم جريصاتي، لكنه عاد وتصلّب في موقفه بعدما أعرب ارسلان عن رفضه لهذا الطرح.
هكذا، تقول مصادر مطلعة على موقف “حزب الله” إنّ سلّة الاتهامات الموجهة للحزب، سواء ما يتصل بقرار تحجيم جنبلاط، أو بتعطيل الحكومة، لا تمت للواقع بصلة. وتؤكد المصادر أنّ العلاقة مع رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” كانت لا تزال حتى أسابيع قليلة ماضية، موضع ربط نزاع، إلى أنّ قرر جنبلاط وضع عصا معمل الباطون، في دولاب العلاقة.
ومع ذلك، فقد اقترح رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال الجلسة الأخيرة التي استضافها لمسؤولين من “حزب الله” والحزب “التقدمي”، فصل الخلاف حول معمل الباطون عن التواصل السياسي، منعاً لتأزم العلاقة وتدهورها، إلى أنّ وقعت أحداث الجبل. يدرك “حزب الله” جيداً أنّ جنبلاط مسكون بهاجس التآمر عليه، من النظام السوري أولاً ومن “الحزب” ثانياً. ولذا تراه يكبّر حجر الأزمة ويربط “زاروب البساتين” بمضيق “هرمز”.
في المقابل يعرف جنبلاط أنّ “حزب الله” لم يكن مسؤولاً عن أحداث قبرشمون، لا بالمباشر ولا بالواسطة، كما ليس مسؤولاً عن طرح الإحالة إلى “العدلي”، وإنما رئيس الجمهورية هو الذي بادر إلى هذا الطرح خلال اجتماع مجلس الأمن المركزي، وقد اضطر “حزب الله” إلى تبنيه دعماً لحليفه، لا أكثر.
ولهذا، تجزم المصادر المطلعة على موقف “الحزب” أنّ الاخير لن يكون وسيطاً في الحل، ولن يضغط على حلفائه للمضي في خيار لا يتناسب مع اعتباراتهم وحساباتهم. وكما كان يقول مسؤولو “الحزب” إبّان أزمة تمثيل “اللقاء التشاوري” حين كان يُتهم بتنفيذ أجندة ايرانية لمنع تأليف الحكومة، فكان يردّ “اعطوا وزيراً لحلفائنا، واحرقوا الورقة الخارجية”، هو يردد اليوم الصيغة نفسها: احترموا مطلب “الضحية” التي يمثلها “الحزب الديموقراطي” واحرجونا بإخراج العامل الخارجي من المعادلة.
وتؤكد المصادر أنّ “حزب الله” لن يتخلى عن حليفه في هذا الظرف ولكنه في المقابل سيرضى بأي مسار يرتضيه ارسلان خصوصاً وأنّ “تكتل لبنان القوي” راح خلال الفترة الأخيرة يبدي مرونة ازاء الأزمة.
في المقابل، إن “الحزب” غير مسؤول عن تعطيل الحكومة، بدليل تأكيده المشاركة في الجلسة الأولى التي تلت الأحداث، وبدليل ما يسرّه رئيسها إلى مسؤولي “الحزب” وتحديداً الحاج حسين الخليل الذي يبقي على خطّ التواصل مع بيت الوسط “شغّالاً”، وقد سجل منذ أيام قليلة آخر اتصال بينهما.
تفيد المصادر أنّ “حزب الله” أبلغ الحريري “حرصه على ديمومة الحكومة وبقائه في رئاستها، وهو موقف ثابت لدى قيادة الضاحية الجنوبية وسبق وأبلغته للحريري أكثر من مرة على نحو مباشر. ولا شيء تغيّر”. وتؤكد المصادر أنّ رئيس الحكومة مقتنع، وقد عبّر عن قناعته على نحو واضح وصريح أمام مسؤولي “حزب الله”، أنّ الأخير متمسك بالحكومة التي يسعى رئيسها جاهداً لإعادة إحيائها.
وتشير المصادر إلى أنّ “حزب الله” لا يرى أي أصابع خارجية، لا من المحور الإيراني ولا من المحور السعودي تسعى إلى تعطيل الحكومة، وكل ما في الأمر أنّ التعقيدات الداخلية هي التي تحول دون التئام شملها.
لا بل أكثر من ذلك، تلفت المصادر ذاتها إلى أنّ علاقة الحريري – “حزب الله” تشهد تطوراً لم تشهده في أي مرحلة سابقة، وهي تتسم بالانسجام غير المتوافر بين رئيس الحكومة وبين أي فريق حكومي آخر، وبالتنسيق المتبادل، حيث لا يتردد رئيس الحكومة بالقول صراحة إنّ “حزب الله” يتساوى معه في الحرص وفي العمل على انقاذ المالية العامة والوضع الاقتصادي من ترديه.
وتكشف المصادر أنّه خلال جلسات الموازنة لجأ رئيس “تيار المستقبل” إلى “حزب الله” حين تبدى له أنّ جبهة المعارضة تتسع بوجهه وقد تسدد ضربة مؤلمة للموازنة التي يحتاجها بقوة لتقديمها إلى المجتمع الدولي. وطلب مساندة “الحزب” الذي لم يسبق له أن صوّت تأييداً لأي موازنة، فاشترط “الحزب” ثلاثة أمور: اعادة النظر بالضريبة على الاستيراد لحصرها بالكماليات واستثناء المحروقات من هذه الضريبة واستثناء أساتذة الجامعة اللبنانية من قرار وقف التوظيف. فكان له ما اراد مقابل التصويت ايجابياً على الموازنة العامة.