كتب علي الأمين في صحيفة “نداء الوطن”:
وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في دائرة صور لانتخاب خلف للنائب المستقيل نواف الموسوي، وذلك يوم الاحد 15 ايلول المقبل على أساس النظام الأكثري.
وكما هو معروف فان استقالة الموسوي، التي أعلن هو نفسه أنها جاءت نتيجة قرار ذاتي، وإثر محنة عائلية باتت معروفة، لم يصدر عن قيادة حزبه أو كتلة الوفاء للمقاومة التي ينتمي اليها، أيّ بيان رسمي يتناولها. وفيما كان “حزب الله” يسرّب عبر مصادره الإعلامية “أنه من طلب من الموسوي الاستقالة من مجلس النواب”، كان الأخير يصرّ على أنه هو من استقال، وذهب في موقفه الى حدّ الإعلان أنه سيدّعي “على كل من قال إنّه أقيل ولم يستقل”.
ربما لا يجد “حزب الله” من مسؤولية أو أهمية أن يوضح لناخبيه موقفه مما جرى، ومن استقالة النائب الذي حصد المرتبة الأولى في الصوت التفضيلي في قضاء صور (24379) متقدماً بآلاف الأصوات على زملائه الفائزين في القضاء. وينسحب ذلك على صمت “الحزب” المطبق على الانتخابات الفرعية المفترضة، اذ لم يصدر عنه أيّ موقف، لا لجهة تحديد المرشح البديل، ولا إطلاق أي نشاط انتخابي يعكس استعداداً لهذه الانتخابات، الغائبة أو المغيبة عن خطاب مسؤوليه وعن مؤسساته الإعلامية ونشاطه السياسي.
لا شك أنّ “حزب الله” كان بغنى عن الدخول في معمعة انتخابات فرعية، ليس لعجز في توفير نجاح أيّ مرشح يقدمه، بل لكون الانتخابات تحمل في طياتها جملة مطالب واستحقاقات للناخبين، هو بغنى عن الدخول فيها. هو يدرك أن عدد النواب لديه ليس معيار قوته ونفوذه، فكيف اذا كانت المعركة الانتخابية على مقعد نيابي واحد؟
بهذا المعنى، فالانتخابات فيها من “وجع الرأس” أكثر من مكاسبها، وما يزيد من وجع الرأس هذا، يتصل بالحليف أي حركة “أمل”، فرغم موقف مبدئي ستتخذه في تأييد أي مرشح يقدمه “حزب الله” للانتخابات، انطلاقاً من التحالف المستمر بينهما، الاّ أن ذلك لا يعني أنها، لن تخوض معركة اثبات حضور تحت سقف التحالف، هي معركة تسجيل النقاط، أيّ أن “أمل” التي كانت تعتبر صور معقلها ومركز قوتها الشعبية الأول في لبنان، كشفت انتخابات 2018 أنّ هذه الصورة تبدلت وتغيّرت. فاذا عقدنا مقارنة بين ما ناله الموسوي من أصوات وما ناله نظيره الأمليّ في الدائرة، علي خريس (15672 صوتاً)، سيظهر أن الفارق في الأصوات تجاوز تسعة آلاف صوت لمصلحة الموسوي.
وللتدليل على الاستياء الذي طاول “أمل” ورئيسها من التراجع الانتخابي لمصلحة “حزب الله”، كان تعيين محمد نجل القيادي الراحل داوود داوود، وزيراً للثقافة في الحكومة الحالية. هذا التعيين كان مفاجئاً لمحازبي “أمل” قبل غيرهم، باعتبار أن داوود لم يكن في موقع مسؤولية داخل “أمل”، ولا من الأسماء المتداولة لتولي مقعد نيابي. لكنّ الأهمّ أنه في محيط عائلة داوود، والقريبين منها، كثيرون ما زالوا يعتقدون أن “حزب الله” كان وراء اغتيال الراحل داوود داوود في منطقة الاوزاعي العام 1988.
ليس بالضرورة أن تعيين محمد داوود وزيراً للثقافة ينطوي على تحدّ لـ “حزب الله”، ولكن هو بالتأكيد محاولة لاعادة تعزيز شعبية حركة أمل ونفوذها في معقلها، من خلال تقريب من بدا أنهم همشوا واستبعدوا من مراكز القرار في “الحركة”، بعدما طوى الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله مرحلة النزاع وأسّسا لتحالف جديد بينهما برعاية سورية – إيرانية منذ انتخابات العام 1992 ولا يزال.
المعركة محسومة
معركة انتخابات فرعية ستكون نتيجتها محسومة لفوز مرشح “حزب الله” كما يرجح الكثيرون، ولأنها كذلك فثمة معارك أخرى ستجرى تحت هذا السقف، “أمل” تريد أن تطلق من خلال هذه الانتخابات الفرعية رسائل تؤكد أنها لم تزل الأقوى، وهذا سيتطلب من “حزب الله” أن يعلن صباحاً ومساء أنّ مرشحه هو مرشح “أمل” و”حزب الله”، وسيعطي السيد حسن نصرالله كعادته في هذه المناسبات شهادات عليا في وفاء بري “شريك النصر”. لكن ذلك لن يلغي ما تريد ان تثبته “أمل” بالأرقام التي لا تخضع لجدل، بأنها قوة مقررة فعلاً لا قولاً، قد يتم ذلك من خلال الانكفاء عن المشاركة في الاقتراع، أو الايعاز لبعض أنصارها من غير الحزبيين بتجيير أصواتهم لمن يشاؤون من المرشحين بمن فيهم مرشح “حزب الله” ولكن لسواه أيضا من معارضيه. في المقابل لن يقف “الحزب” مكتوف اليدين، هو يدرك بطبيعته الأمنية كل هذه الأبعاد، وبالتالي لا يريد أن يسمح لخصومه باستثمار ايّ خيبة انتخابية في صور. وما ناله الموسوي من أصوات يجب أن ينالها بديله ان لم يكن أكثر، ولكن الأهم لديه ألا ينال خصومه حجماً من الأصوات يزيد عن الأربعة آلاف صوت، وهو حجم الأصوات التي نالتها اللائحة المقابلة والتي كان على رأسها الحزب الشيوعي ورياض الأسعد.
على الجبهة المقابلة، أي على ضفة المعارضين لمرشح “حزب الله”، يبرز أكثر من مرشح مستقل ومفترض، من الذين أعلنوا ترشحهم كمستقلين في موقع المعارضة: المرشحان علي عيد وحسين عطايا، و”الحزب الشيوعي” عادة ما يتقدم بمرشح، لكن لم تبدر منه أي إشارة أو موقف حتى الآن، فيما رياض الاسعد لا يبدو راغباً في نقل ترشيحه التقليدي من الزهراني الى صور، لا سيما أن المرشح المقابل هو “مرشح المقاومة” الوحيد. يبقى أن السفير السابق خليل كاظم الخليل هو أحد الأسماء الجدّية في حال قرر الترشح، بعدما كان منكفئاً عن الترشح في الانتخابات السابقة، علماً أنه حافظ على حضور سياسي وثقل انتخابي يجعله من الناحية الانتخابية الأقوى على ضفة المعارضة. والى جانب الخليل، ثمة حلقات مدنية ويسارية منها منتدى صور الثقافي وغيره. ويبقى التحدي أمام مصداقية الاعتراض هو في قدرته على الاتفاق حول مرشح واحد في مواجهة مرشح “حزب الله”، وهو الاختبار الذي يواجه هذه القوى ويختصر دورها وواجبها في الانتخابات النيابية الفرعية، ايّا كانت النتيجة في صناديق الاقتراع.