كتبت زينب عثمان في صحيفة “الاخبار”:
في حسابات وزير الاتصالات محمد شقير، لبنان «سيبيع الانترنت». لكن تطوير الانترنت والاتصالات دونه عقبات، لا سيّما أن الترددات العالية المستخدمة في شبكات الجيل الخامس (5G) التي تتطلب أبراجاً لاستقبال الإشارات وإعادة إرسالها، قد تعرّض اللبنانيين للمخاطر
«لبنان سيبيع الانترنت» عما قريب، حسبما تشير خطة وزير الاتصالات محمد شقير. لا أحد يعلم كيف ومتى ولمن سيبيعه، وما إذا كانت قبرص تنتظر بفارغ الصبر أن نمدّها بـ«ثورة الهواتف المحمولة التالية». لكن هذا «اللغز»، الذي يبدو حلماً في بلادٍ يصل فيها تقنين الكهرباء إلى 16 ساعة في اليوم، قد تتضح معالمه مع إنجاز مشروع الفايبر أوبتك، الذي سيتم تشغيله في لبنان «بعد عامين» من الآن، كما أكد شقير في مقابلة مع وكالة أنباء «شينخوا» الصينية نهاية أيار الماضي. يومذاك، عرض بإيجاز تفاصيل خطة تطوير الانترنت والاتصالات التي «تشتمل على خمسة أهداف رئيسية»، أبرزها مشروعا الألياف البصرية، الذي تبلغ قيمته 300 مليون دولار، وتكنولوجيا الجيل الخامس (5G). وهما مشروعان قال الوزير إن شركة التكنولوجيا الصينية «هواوي» ستشارك في تشغيلهما إلى جانب عدد من الشركات متعددة الجنسيات. ولعل الجانب الأهم في تصريحاته هو تأكيده بأن بيروت ستختبر «في غضون الأشهر الستة المقبلة» تقنية «5G»، وتحديداً في مجالات رئيسية مثل الوزارات ومراكز التسوق، قبل إطلاقها رسمياً «بعد فترة وجيزة»، أي «ريثما تنتهي الوزارة من بحثها حول جوانبها الصحية وكفاءتها الربحية».
الحديث عن الجانب الصحي، يستدعي النظر في الجدل القائم عالمياً حول تأثير ذبذبات تقنية «5G» على الصحة العامة. وهي مخاطر لا يبدو أن خطة الوزير تلحظها، لا سيّما أن الأبحاث التي يفترض أن تكون الوزارة قد أجرتها، لم يتكشّف عنها ما يذكر حتى الآن.
البروفسور في دائرة الهندسة الكهربائية والكمبيوتر في الجامعة الأميركية، زاهر ضاوي، أوضح لـ«الأخبار» أن تقنية الجيل الخامس تعمل على «تشفير ونقل البيانات عبر موجات راديوية لاسلكية بسرعة خارقة» قد تتخطى معدل الغيغابايت الواحد في الثانية. وهي سرعة يستطيع الفرد خلالها تحميل أفلام طويلة بدقتي Full HD و4K في ثوانٍ. إلا أن الوصول إلى هذه السرعة يحتاج إلى «موجات تردد ملليمترية عالية جداً» يبلغ نطاقها نحو 28 غيغاهيرتز، أي أنها تنتمي إلى «الطيف العالي التردد» (mmWave) الذي لم يستخدم بعد في عمليات الاتصال بشكلٍ تجاري. وهنا تكمن المشكلة. فهذه الموجات يمكنها الانتقال لمسافات قصيرة جداً (نطاق تغطية أضيق)، ناهيك عن شدة حساسيتها وسهولة اعتراضها من قبل أي كتلة متحركة، مثل الأمطار وجسم الإنسان. هذه العوامل تفرض بناء أعداد كبيرة من أبراج الاتصالات المتقاربة في نطاق جغرافي ضيّق، بمعدّل برج صغير لكل 8 أبنية وفق تقديرات عالمية. وهنا، يبدي ضاوي تخوفه من بناء الأبراج قرب المجمعات السكنية، من دون النظر في الاعتبارات الصحية التي تشمل رفع نسبة تعرض السكان للموجات الكهرومغناطيسية (غير المؤيّنة)، على طريقة التوتر العالي في المنصورية، لافتاً في الوقت نفسه الى قصور العمل الرقابي الذي «قد ينتهي بعد بناء الأبراج، لتشيّد في وجهها مبانٍ جديدة». والحال أن الوزارة لم تعلن حتى الآن عن نتائج أيّ من بحوثها المفترضة بشأن الجوانب الصحية.
لكن لا داعي للتشاؤم. لبنان «سيبيع الانترنت» عما قريب! لا يجد الخبير تفسيراً حقيقياً لمقصد الوزير في ظل الانتشار السريع للتقنية في العالم العربي، علماً أن الكويت والبحرين والسعودية سبق أن أعلنت تدشين الخدمة تجارياً. وأشار الى أن«لبنان لا يملك الشبكات التي تصل الدول بعضها ببعض. نحن نمتلك فقط الشبكات الموجودة على الأراضي اللبنانية»، بحيث أن البيع سيكون محصوراً بها.
تعطيل قدرة التنبؤ بالعواصف الكبرى
مطلع أيار الماضي، حذر علماء الأرصاد الجوية من أن إطلاق شبكات «5G» التي يمكن أن تؤثر على قدرة التنبؤ بالطقس. ورجّح هؤلاء أن تُسبب الشبكات «عطلاً لأدوات الأقمار الاصطناعية الحساسة» التي تستخدم لمراقبة التغيرات في الغلاف الجوي، الأمر الذي سيؤثر بلا شك على التنبؤ بالعواصف الكبرى، لينتج من ذلك «فقدان أرواح كثيرة». وبحسب توني مكنالي، من المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى في جامعة ريدنغ البريطانية، فإن الترددات الراديوية التي ستستخدمها شبكات «5G» يمكن أن «تلوث» عمليات الرصد التي تقوم بها الأقمار الاصطناعية المخصصة للطقس. بمعنى أن الشبكات قد تبثّ موجات مليمترية (تقع بين 24 غيغاهيرتز و100 غيغاهيرتز) مماثلة للترددات المنبعثة من بخار الماء، مثلاً، وبالتالي فإنها تنتج إشارة تشبه وجودها في الجو ما يجعل العلماء غير قادرين على تحديد الفرق، وهذا من شأنه أن يقلّل الى حد كبير من قدرة علماء الأرصاد على وضع توقعات دقيقة.
احتمالات المخاطر الصحية
في وقت يترقب العالم إطلاق تقنية «5G» حذر بعض العلماء من مخاطرها الصحية المحتملة. وبرغم أن التأثير الفعلي للموجات عالية التردد لا يزال طور البحث، نشرت «المفوضية الدولية للإشعاعات غير المؤينة» مسودة، قالت فيها إن «التأثير الحرج للتعرض للموجات العالية التردد على صحة الإنسان يكمن في تسخين أنسجة الجسم المكشوفة». وهي موجات «يمكن أن تتغلغل في الجسم (كلما زاد التردد، زاد عمق الاختراق) ما يؤدي إلى الاحتكاك ومن ثم السخونة»، التي قد «تصيب الانسان بضربة شمس أو بالحروق الجلدية». كذلك، تفيد عريضة قدمتها مجموعة علماء لمنظمة الصحة العالمية بأن موجات «5G» سترفع نسب الإصابة بالأمراض الخطيرة، ومن بينها السرطان.