لا تكفي الكلمات الجميلة والمعسولة التي مدح فيها المسؤولون السياسيون، من رأس الهرم الى قاعدته، المؤسسةَ العسكرية في عيدها أمس، لإثبات حقيقة إيمانهم وثقتهم بها وبرجالها وقدراتها. فالمطلوب أكثر بكثير من عبارات المديح والتعظيم، المطلوب قرارات كبرى وأفعال تظهر للجيش ان الأمر له، وأن لا تعويل الا عليه وعلى عناصره وزنودهم، لحماية الحدود والارض والسيادة والعرض. فالجيش اللبناني، وفق ما تقول مصادر سياسية سيادية لـ”المركزية”، سطّر بطولات في السنوات الماضية، وأظهر بسالة وتفانيا ومهارة في القتال قل نظيرها، رفعت لها العواصم الكبرى، القبّعة، محوّلة المؤسسة العسكرية الى شريك وازن في الحرب “الدولية” على الارهاب، يضعون فيها ثقتهم بلا تردد، ويستثمرون فيها وفي تجهيزها ومدّها بالعتاد والاسلحة المتطورة، من دون التفكير مرّتين. هذه هي الحال منذ “فجر الجرود” التي شكّلت “معمودية نار” الجيش في “حلّته” الجديدة، اذا جاز القول، والتي من خلالها، تمكّنت المؤسسة العسكرية من استعراض قدرتها على استخدام كل خبراتها، ميدانيا، في الشكل والمكان والزمان الصحيحة، ففتحت في صورة أوسع، أبواب المساعدات اللوجستية لهاـ من كل حدب وصوب، وأبرز الداعمين لها اليوم واشنطن ولندن وباريس وبرلين، التي باتت ترفد مخازنها بالاسلحة البرية والبحرية والجوية، في شكل دوري.
وفي وقت يطمح المجتمع الدولي الى ان يتحوّل الجيش اللبناني، والاجهزة الامنية الاخرى، الفريقَ الوحيد الممسك بالسلاح على مساحة الـ10452 كلم2، وفي حين جدد الطاقم السياسي المحلي كلّه أمس، “اشاداته” بالجيش وبأدائه، وقد قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “جيشنا الوطني أثبت على مر السنوات والأزمات أنه فوق المصالح والتجاذبات، وأنه ضمانة الوطن. وهو قد حقق خلال السنتين الماضيتين مكاسب وانجازات يُشهد له بها، فحرّر جرودنا الشمالية والشرقية من الإرهاب، وتمكّن هو وسائر القوى الأمنية، وبعمليات استباقية نوعية، من القضاء على معظم الخلايا النائمة للإرهابين وشلِّ حركتهم، محققين للبنان أمناً ثميناً تسعى اليه كل الدول”، منبها إلى أن “هذه الانجازات تتطلّب كل الوعي والحكمة للمحافظة عليها، وهي تستكمل بإبقاء العين ساهرة على حدودنا الجنوبية، مع وجود عدو يتربص بنا وينتهك باستمرار القرارات والمواثيق الدولية وخصوصاً القرار 1701، وتُدعّم أيضاً بتثبيت الأمن والاستقرار في الداخل”- تعتبر المصادر ان هذا التقدير سيبقى منقوصا ما لم يُمنح الجيش، الذي بات من الاقوى في المنطقة، وحده، “شرف” الدفاع عن لبنان في وجه كل الاخطار، والحق الحصري بالذود عنه… فالمؤسسة العسكرية قرارُها “لبناني صرف” ولا تحرّكها الا المصلحة الوطنية العليا، وهي مستعدة للتضحية بالغالي والنفيس ليبقى لبنان وكرامته. أما السلاح المنتشر في يد فصائل أخرى، فتحرّكه مصالح هذه الفصائل بطبيعة الحال وبعضها مرتبط بجهات اقليمية، بدليل ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي أعلن جهارا ان ماله وسلاحه ومأكله من ايران، لم يتردد في القول ان “المنطقة كلّها ستشتعل اذا تعرضت الجمهورية الاسلامية لأي اعتداء”.
فاذا أردنا فعلا بناء دولة ونحن في “اليوبيل الماسي للاستقلال”، تتابع المصادر، حان الوقت للاختيار بين معادلتين ثلاثيتين “جيش، شعب، مقاومة”، أو “شرف، تضحية، وفاء”، آخذين في الاعتبار ان اي دولة لا يمكن ان تقوم بجيشين وسلاحين. فهل يؤمن قادة لبنان حقا بالجيش؟ اختيارهم بين الطرحين أعلاه، كفيل بإظهار الجواب، تختم المصادر.