كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
لم يُكتب النجاح للمبادرة المتجددة التي أطلقها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لإخراج الوضع السياسي من التأزم وتهيئة الأجواء التي تسمح لمجلس الوزراء بمعاودة عقد جلساته المعطلة منذ أكثر من 4 أسابيع، رغم أن مصادر سياسية مقربة من الرئاسة الأولى سارعت إلى إشاعة جو من التفاؤل سرعان ما تبدّد مع خروج أرسلان ومعه الوزير صالح الغريب من بعبدا بعد اجتماعه برئيس الجمهورية ميشال عون في حضور الوزيرين إلياس بو صعب وسليم جريصاتي واللواء إبراهيم.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية أن إبراهيم لم يقرر التحرك لتسويق مبادرته الجديدة إلا بعد تلقيه إشارات إيجابية من الرئيس عون وقيادتي «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». وقالت المصادر إن اللواء إبراهيم نقل ما سمعه لجهة ضرورة انعقاد مجلس الوزراء إلى رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وإنه لقي منهم تشجيعاً لمعاودة تحركه في اتجاه جميع الأطراف.
وكشفت المصادر عن أن إبراهيم انطلق من تسويق مبادرته المتجددة في ضوء إعلامه من رئيس الجمهورية بأنه سيتولى شخصياً إقناع أرسلان بوجوب التجاوب مع الطرح الذي أعده إبراهيم، وينص على التلازم بين معاودة جلسات مجلس الوزراء، والاحتكام إلى القضاء العسكري الذي ينظر حالياً في ذيول ومضاعفات حادثة الجبل. وأكدت المصادر أن ما طرحه إبراهيم لا يأتي على ذكر إحالة الحادثة إلى المجلس العدلي على الأقل في الوقت الحاضر، بل التريّث إلى حين الانتهاء من التحقيقات التي تجريها المحكمة العسكرية. ولفتت أيضاً إلى أن الاحتكام إلى مجلس الوزراء للتصويت على هذه الإحالة سُحب من التداول بسبب رفض الحريري وجنبلاط، فيما يفضّل الرئيس بري عدم الغوص في الوقت الحاضر في مثل هذه المغامرة، وبالتالي من الأفضل الوصول إلى تسوية بدأت تشق طريقها من خلال المحكمة العسكرية.
لكن المفاجأة كانت في انفضاض اجتماع بعبدا من دون تحقيق أي تقدم، ويعود السبب – بحسب المصادر – إلى تمسّك أرسلان بمطالبته بإحالة الحادثة إلى المجلس العدلي. وأحيط بري والحريري علماً بأن محاولة عون لإقناع أرسلان اصطدمت بعناد الأخير، كما أُعلم جنبلاط بالأجواء التي سادت اجتماع بعبدا، وذلك من خلال الوزير وائل أبو فاعور الذي يتواصل باستمرار مع الحريري، وهذا مما أدى إلى صرف النظر عن لقاء إبراهيم برئيس «التقدمي» الذي توجّه ليل أول من أمس إلى المختارة.
لذلك فإن الترويج لموجة من التفاؤل أول من أمس لم يكن في محله، مع أنه صدر عن جهة رسمية نافذة، توقعت أن تُعقد جلسة للحكومة قبل حلول عطلة عيد الأضحى المبارك، فيما تعاملت أوساط الحريري – كما تقول المصادر الوزارية – بحذر حيال هذه الموجة التفاؤلية لأن من روّج لها أراد تمرير رسالة بأن الكرة ليست في مرمى بعبدا وإنما في مكان آخر.
وفي هذا السياق، سألت المصادر الوزارية نقلاً عن وزير هو الآن في «معمعة» المشاورات الجارية لإعادة تفعيل العمل الحكومي، عن هوية الجهة الداعمة لأرسلان، طالما أن حلفاءه يقولون على الأقل في العلن إنهم مع انعقاد مجلس الوزراء اليوم قبل الغد؟ كما سألت: كيف تحوّل أرسلان بين ليلة وضحاها إلى رقم صعب في المعادلة السياسية، وهل يُعقل أن لديه القدرة على تعطيل مجلس الوزراء بخلاف إرادة حلفائه؟
ورأت المصادر الوزارية أن أرسلان استمد قوته من «حزب الله» و«التيار الوطني» وأيضاً من بعض المحيطين برئيس الجمهورية الذين اعتقدوا أنهم بوقوفهم إلى جانبه سينالون الموقع الذي يشغله جنبلاط في المعادلة السياسية، وصولاً إلى محاصرته وتحجيمه انتقاماً منه على مواقفه المناوئة لـ«حزب الله» والنظام السوري وإيران، إضافة إلى أن زعيم «التيار الوطني» الوزير جبران باسيل رأى أن الفرصة سانحة لتقليص النفوذ الجنبلاطي في الجبل.
وبكلام آخر؛ حاول حلفاء أرسلان توظيف تداعيات حادثة الجبل لابتزاز جنبلاط تمهيداً لإضعافه، وهذا ما ينسحب لاحقاً على الحريري الذي أدرك أبعاد هذه الحملة وسارع للوقوف إلى جانبه، فيما يحبّذ بري الوصول إلى تسوية، لأنه ليس في وارد استهداف حليفه رئيس «التقدمي».
إلا إن حلفاء أرسلان أوقعوا أنفسهم في ابتزازه، لأن عدم تبني مجلس الوزراء مطلبه في إحالة هذه الحادثة إلى المجلس العدلي، سيؤدي إلى إضعافه في البيت الدرزي في ظل الاحتضان الذي يلقاه جنبلاط والذي تجاوز محازبيه إلى محازبين يدينون بالولاء لخصومه.
وعليه، فإن جنبلاط بدأ يحاط بتأييد درزي غير مسبوق، وهذا ما يدفع بأرسلان إلى عدم التجاوب مع الوساطات من جهة؛ وإلى إحراج حلفائه من جهة أخرى، إلا إذا كان هناك أمر عمليات صدر من الخارج ويقوم على خوض معركة سياسية بلا هوادة ضد «التقدمي».
وهكذا يمكن أن تبقى جلسات مجلس الوزراء معطلة؛ إلا إذا طرأ تطور ليس في الحسبان، وقبل سفر الحريري إلى الخارج لتمضية إجازة قصيرة مع عائلته يمكن أن يدفع في اتجاه تعويم مبادرة اللواء إبراهيم، وإلا فستنضم حتماً إلى مبادراته السابقة التي لم ترَ النور.